أخبار عربية

كيف تقف “المعتقدات البوذية” عائقا أمام مكافحة الملاريا؟

[ad_1]

مملكة بوتان

مصدر الصورة
Getty Images

تقضي عائلة مادافي شارما، التي تزرع الأرز وترعى الماشية في قرية سامتيلنغ جنوبي مملكة بوتان، معظم أمسياتها في المطبخ، حيث يساعد الدخان المتصاعد من نار الطهي في طرد البعوض. ويقول شارما: “لا يمكننا البقاء خارج المنزل في المساء من كثرة البعوض”.

ورغم أن شارما لم يكمل تعليمه، إلا أنه، بفضل الحملات القومية، يعرف الكثير من المعلومات عن مخاطر الملاريا وحمى الضنك، اللذين ينقلهما البعوض. ولذا تحرص عائلة شارما على التخلص من برك المياه الراكدة وتواظب على استخدام الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية التي توزعها الحكومة مجانا.

وتُرش المنازل بالمبيدات الحشرية مرتين سنويا. وقد تعكس هذه التدابير الوقائية، مثل الناموسيات ووعي السكان ورش المبيدات، مدى جدية حكومة بوتان في مكافحة مرض الملاريا.

وانخفضت معدلات الإصابة بالمرض انخفاضا ملحوظا، من 40 ألف حالة عام 1994، إلى 54 حالة في عام 2018. وسُجلت حالة وفاة وحيدة في عام 2017، لضابط على الحدود الهندية البوتانية.

وتسابق سلطات بوتان الزمن لاجتثاث مرض الملاريا، الذي يشيع الوهن بين المرضى وقد يسلبهم صحتهم وأحيانا أرواحهم، قبل أن يعرقل جهودها تغير المناخ أو مقاومة الطفيليات للعقاقير.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

عمليات رش المنازل بالمبيدات الحشرية، التي لا تزال محل جدل لدى سكان بوتان

من البوذية إلى مكافحة الملاريا

ينجح كل عشر سنوات عدد قليل من الدول في استئصال الملاريا من أراضيها، وهذا يعد إنجازا كبيرا لأنه يتيح لها تخصيص مواردها لمكافحة أمراض أخرى.

لكن ثمة تحديات تحول دون القضاء على الملاريا في بوتان، أبرزها كراهية البوذيين لقتل أي شكل من أشكال الحياة، حتى لو كانت بعوضة ناقلة للمرض. وفي هذا البلد الذي يطبق سكانه تعاليم البوذية بحذافيرها، كثيرا ما يضطر المسؤولون عن رش المبيدات إلى إقناع الناس بالنظر إلى عمليات الرش بطريقة مختلفة.

ويقول رينزين نامغاي، أول عالم حشرات في بوتان، إنه كان يُطمئن أصحاب المنازل بالقول: “إننا نرش المنازل فقط، فإذا أرادت البعوضة أن تنتحر بالدخول إلى المنزل، فلا تمنعوها”. وأحيانا كان عمال رش المبيدات يقتحمون المنازل لرشها بمرافقة رجال الشرطة.

وترفض ديشين وانغمو – مديرة مكتب بمركز “دروك” التشخيصي، الذي يفحص جميع الوافدين إلى بوتان من الهند للعمل في محطات الطاقة الكهرومائية المنتشرة في أنحاء البلاد – قتل الحشرات تماما، وأصابها الذعر حين سألتها إن كانت تستطيع قتل صرصار، على سبيل المثال.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

تعد الناموسيات وغيرها من التدابير الوقائية أقل إثارة للجدل في بوتان، التي يدين أغلب سكانها بالبوذية، ويحرصون على حماية قدسية الحياة

وإذا شُخص العامل الوافد في مركز “دروك” بمرض الزهري يُمنع من دخول بوتان، لكن إذا شُخص بالملاريا، فعليه أن يقضي ثلاثة أيام في المستشفى لتلقي العلاج المناسب.

وتأثرت أيضا أنظمة الرعاية الصحية بشدة إثر اندلاع الصراع العرقي في ولاية آسام الهندية المجاورة لبوتان. واستمر الصراع حتى عام 2014، ودفع عائلات للنزوح وتعرض الأطباء للتهديد أو الضرب إذا عالجوا بعض المرضى.

واستمرت عمليات خطف البوتانيين على يد الهنود مقابل الفدية حتى عام 2016. وفي ظل هذه الاضطرابات، لم يتمكن المسؤولون الطبيون في الهند وبوتان من التعاون معا لمكافحة المخاطر الصحية التي تهدد البلدين.

ومن جهة أخرى، لا يزال الهنود تنتابهم شكوك في أن محطات الطاقة الكهرومائية في بوتان، التي تعتمد عليها الهند لتلبية احتياجاتها من الطاقة، تسبب تآكل التربة والفيضانات في الهند وتوسع المستوطنات غير الرسمية على حساب أراضي الجماعات القبلية.

دروس للدول الأخرى

تحسنت الأوضاع الآن في بوتان بعد أن هدأت الصراعات بين البشر وبعضهم وبين البشر والبعوض. وأصبحت الملاريا شيئا من الماضي للكثيرين من سكان الهند وبوتان.

مصدر الصورة
Christine Ro

Image caption

يفحص العاملون بوحدة شوركورلينغ للرعاية الصحية كل من يعاني من الحمى للتأكد من عدم إصابته بالملاريا

لكن بوتان حققت تقدما كبيرا على صعيد مكافحة الملاريا يفوق ما حققته الهند في نفس الفترة، وقد يرجع ذلك إلى صغر مساحتها ونجاحها في خفض معدلات الفقر في فترة وجيزة. إذ تعد بوتان واحدة من أقل البلدان نماء في العالم، لكنها تأمل أن تلحق بركب الدول متوسطة الدخل بحلول عام 2023.

ويقول دورجي تشيرينغ، المشرف الطبي بالمستشفى الإقليمي المركزي بغيليفو، إن بوتان قدمت نموذجا يحتذى به في مكافحة الملاريا، إذ اهتمت بتخصيص الموارد للقضاء على نواقل المرض، وساعدها الدعم المالي الذي حصلت عليه من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا.

ولعب الالتزام السياسي دورا كبيرا افي القضاء على الملاريا، إذ تضافرت جهود الجميع لمكافحة الملاريا، من الحكومة الوطنية إلى جماعات المتطوعين الذين نصبوا خياما لتدريب الناس وتوعيتهم في الأحياء والضواحي. والآن قلما تظهر حالة إصابة بالملاريا.

وعلى النقيض، لا تزال الملاريا أكثر انتشارا بمراحل في الهند، إذ أشارت تقارير إلى أن واحدا من كل 265 شخصا أصيب بالملاريا في عام 2018.

مصدر الصورة
Christine Ro

Image caption

برومود نارزاري (يمينا) مزارع الأرز، كان محظوظا لأن القرية التي يعيش فيها تحتضن مستشفى ومركزا طبيا

وعلى عكس المجتمع الهندي الذي يخضع لنظام ديمقراطي معقد، فإن التدخل الحكومي لإجبار السكان في بوتان على تطبيق تدابير مكافحة الملاريا عنوة كان مثمرا. كما أن المجتمع في بوتان صغير وحديث عهد بالديمقراطية ويمتثل أغلبه للقواعد. في حين أنه يكاد يكون مستحيلا أن يقتحم المسؤولون المنازل في الهند لرشها بالمبيدات ما دامت الغالبية العظمى المتدينة تعارض قتل الحشرات.

وتوفر بوتان الرعاية الصحية للمواطنين وغير المواطنين تحت مظلة نظام موحد مجاني، في حين أن نظام الرعاية الصحية في الهند يراعي التدرج الطبقي.

ويقول برومود نارزاري، مزارع أرز بقرية توكراجهار بولاية آسام الهندية، إنه لولا وجود مستشفى، ومركز طبي في قريته، لما نجا من مرض الملاريا عندما كان طفلا.

وبينما يفضل الكثيرون في ولاية آسام الذهاب إلى المستشفيات الخاصة بدلا من الحكومية، فإن البعض يلجؤون إلى بوتان للعلاج.

ويشير بيجوش هازاريكا، وزير التنمية العمرانية والصحة بولاية آسام، إلى أن المستشفيات الحكومية تعجز عن استيعاب المرضى الذين ينامون في أروقة المستشفيات لنقص الأسرّة.

ولا يزال ضعف التعاون بين الهند وبوتان، يعوق جهود البلدين لمكافحة الملاريا. إذ لا يوجد في بوتان الآن حالات إصابة بالملاريا سوى في المناطق الحدودية مع الهند، فضلا عن أن المناطق الأكثر تأثرا بالملاريا في الهند تقع كلها بالقرب من الحدود مع بوتان.

لكن مشكلة انتشار الملاريا في المناطق الحدودية تعرقل جهود الكثير من البلدان أيضا في اجتثاث المرض، مثل المملكة العربية السعودية واليمن وهايتي وجمهورية الدومينيكان، والصين وميانمار. ومن المعروف أن الملاريا سرعان ما تعاود الانتشار في البلاد ما لم تستأصل منها تماما، كما هو الحال في ميانمار وكمبوديا وفنزويلا.

ويقول سينثيا مواسي كاساندا، من الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، إن جهود دولة واحدة للقضاء على الملاريا بمفردها لا طائل منها ما لم تتعاون مع البلدان المجاورة. فإذا لدغت بعوضة شخصا مصابا بطفيلي الملاريا، ستصبح البعوضة ناقلة للمرض.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

نشطاء يجلسون في ناموسية احتجاجا على انتشار حمى الضنك في ولاية كلكتا الهندية

غير أن المسؤولين عن الملاريا في الهند لا يكادون يتواصلون مع نظرائهم في بوتان. ويرى مزمل شودري، استشاري الأمراض التي تنقلها نواقل المرض في منطقة شيرانغ الهندية، أن البوتانيين عندما يأتون إلى الهند يصابون بالمرض وينقلونه إلى بلادهم، ولا يرجح أن يكون الهنود هم الحاملين للطفيلي أثناء عبور الحدود.

ولا يهتم العاملون في مجال مكافحة الملاريا بتنبيه نظرائهم في المناطق المجاورة حال اكتشاف سلالات جديدة للبعوض أو بداية تفشي المرض أو تحرك السكان عبر الحدود. ولهذا يضطر العلماء لقراءة الأبحاث التي نشرت في البلدان المجاورة لمعرفة آخر المستجدات في مجال مكافحة البعوض.

وتعتزم بوتان اجتثاث الملاريا في غضون بضع سنوات، في حين أن الهند تعتزم القضاء عليها في العقد القادم. وقد انعكس التقدم الذي تحقق في مجال مكافحة الملاريا إيجابا على سكان البلدين، مثل دورغا مايا راي، التي تضطر للمشي ساعة ونصف من الهند للعمل في أحد المطاعم في بوتان، وكانت تصاب بالملاريا باستمرار. لكنها الآن تعالج في بوتان وتستخدم الناموسيات في منزلها، وتقول إنها لم تصب بالملاريا منذ عدة سنوات.

ويعتمد الاقتصاد البوتاني على العمال الهنود، الذين يعتمدون بدورهم على الشركات البوتانية في كسب قوتهم. ولهذا من مصلحة الجميع أن تظل الحدود مفتوحة بين البلدين.

ولا يزال الفقر والصراعات والتعاون المحدود من العوامل التي تقف عائقا أمام جهود البلدين في اجتثاث مرض الملاريا. ورغم أنهما أوشكا على القضاء عليه، إلا أن التنسيق وتوحيد الجهود قد يساعداهما على الوصول إلى هدفهما في وقت أقرب.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى