لماذا يمارس الأطفال التنمر في المدرسة وكيف نواجه ذلك؟
[ad_1]
في سن العاشرة، مرت روبي سام يونغز بتجربة أشعرتها بالعزلة والتشوش والارتباك. ففي آخر أعوام مرحلة الدراسة الابتدائية، انتقلت مع أسرتها من إنجلترا إلى ويلز. هناك وجدت في المدرسة زميلة تتنمر عليها وتسخر من لهجتها، قبل أن تمتد السخرية إلى مظهرها كذلك.
وتتذكر يونغز هذه الفترة بالقول: “كان كل شيء غير مفهوم بالنسبة لي. فقد كنت في مكان جديد لا أعرف فيه أحدا. لم يكن هناك من يحبني، ولم أكن أعرف السبب حقا”.
وتقر يونغز، التي تبلغ من العمر الآن 46 عاما، – بأن “التنمر المستمر” الذي تواصل ضدها خلال سنوات دراستها في المرحلة الإعدادية كان له تأثير غير مباشر على حياتها بكل جوانبها، فقد بدأت تدخين السجائر ومعاقرة الخمور في محاولة للتكيف مع هذا الوضع، الذي لم تتقبل وتتفهم الآثار التي خلّفها عليها، سوى في العام الماضي فحسب.
وتقول: “شعرت بأنه لا يوجد من يحبني، لذا لم أحب نفسي”.
وتُبرز تجربة هذه السيدة حقيقة مؤلمة مفادها أن الأطفال قد يكونون من بين أكثر المتنمرين ضراوة، برغم كل ما يتصفون به من براءة وقلة خبرة بالحياة. فأفعالهم في هذا السياق، قد تكون قاسية بشدة وعنيفة وصادمة، نظرا لأنها تكون أقل تأثرا بالأمور التي تكبح هذا السلوك والمتمثلة في الأعراف الاجتماعية التي نتعلمها في مراحل لاحقة من الحياة، ونتقيد بها تبعا لذلك. وقد يكون لسلوكيات تنمر مثل هذه تَبِعات على ضحاياها تستمر مدى الحياة.
لكن ما العوامل التي تجعل من طفل ما متنمرا ومستأسدا؟
للإجابة على هذا السؤال بوسعنا الاستعانة برأي دوروثي أسبيليدج، الأستاذة الجامعية في التربية في الولايات المتحدة، التي تقول: “اعتقدنا لوقت طويل للغاية أن هناك نوعا واحدا من المتنمرين، وهو ذاك المتمثل في طفل شديد العدوانية يعاني من مشكلات على صعيد الثقة في النفس وتقدير الذات، وهي المشكلات التي ربما تكون ناجمة عن العيش في منزل يسوده العنف، أو يلقى فيه التجاهل والإهمال”. لكن هذا التصور يتغير في الوقت الراهن.
وإذا عدنا لتعريف التنمر، الذي يتبناه الباحثون الأكاديميون، فسنجد أنه يقول إن هذا السلوك يمثل “ضربا من العدوان الذي يحدث بين أطراف تتباين في ما بينها في مستويات القوة والسلطة، سواء كانت هذه الأطراف أفرادا أم جماعات”.
ورغم أن هذا التعريف ربما يعجز عن إيضاح الثمن الفادح الذي يدفعه الضحية، أو الأسباب المعقدة التي تجعل من البشر متنمرين من الأصل، فإن التباين في مستوى القوة – الذي يشير إليه – يظل عاملا حاسما في حدوث سلوك مثل هذا.
وتقول أسبيليدج: “يمكن أن تتنمر عليّ وأنت تحظى بشعبية أفتقر أنا لها. لذا يؤدي هذا الفارق في القوة إلى أن يصبح من الصعب عليّ الدفاع عن نفسي”.
وتضيف أسبيليدج أنه على الرغم من أن وجود أمور مثل العنف المنزلي أو التعرض لسلوكيات عدوانية من جانب الأشقاء لا تزال تمثل أسبابا قد تجعل الأطفال متنمرين، فإن ثمة عوامل أخرى. فالطفل الذي يشب عن الطوق في منزل حافل بالسلوكيات العنيفة، قد لا يصبح بالضرورة متنمرا، إذا كان يتلقى العلم في مدرسة تتبنى برنامجا يكافح التنمر، ويسودها مناخ يدعم تحقيق هذا الهدف.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصورة التي يكوّنها الباحثون للطلاب الذين يُقْدِمون على سلوكيات التنمر في المدارس أكثر دقة وتحديدا. فقد تم التعرف على أنماط أخرى من هذه السلوكيات ذات طابع أكثر انتهازية ومراوغة، لتُضاف إلى تلك الأنماط التقليدية التي تنطوي على إزعاج أو استئساد فظ وعلني وصريح.
وغالبا ما يكون الأطفال، الذين يتبعون تلك الأنماط الميكافيلية، يتحلون بمهارات اجتماعية أفضل من سواهم، كما يكونون غالبا ذوي شخصيات جذابة بل ومحبوبين من جانب معلميهم، وهو أمر يجعلهم بعيدين كل البعد عن الصورة النمطية للمتنمر، التي تفترض أنه عادة ما يكون “غبيا وأحمقا” كذلك.
ومن بين الأمور الجوهرية هنا أيضا؛ أن هذه النوعية من الأطفال المتنمرين لا يمارسون هذا السلوك طيلة الوقت، بل يُقْدمون عليه ويحجمون عنه، وفقا لما يلاءم مصالحهم واحتياجاتهم.
وتعزز بعض الدراسات الفكرة القائلة بأن سلوكيات التنمر والاستئساد ترتبط في أغلب الأحيان بمن يمارسها أكثر من ارتباطها بمن يقع ضحية لها. ففي دراسة أُجريت على أطفال المدارس في إيطاليا وإسبانيا، طُلِب من التلاميذ المشاركة في تدريب حمل اسم “التفكير في موقف تنمر من وجهة نظر المتنمر”. ومنح الباحثون استبيانا لأفراد العينة لكي يصنفوا زملاءهم من خلاله في خانة من ثلاث؛ “متنمر” أو “ضحية” أو “طرف خارجي” لا علاقة له بالموقف برمته.
وتبين أن من صُنِفوا كـ “متنمرين”، كانوا أكثر ميلا إلى التعقيب على موقف التنمر الافتراضي المذكور في الدراسة، بعبارات تركز على كيفية تأثر المتنمر نفسه بهذا الموقف، من قبيل “سأشعر بالرضا لأنني استحوذت على انتباه الأطفال الآخرين”، أو بأخرى تُظهر انعدام تعاطفهم مع الضحية مثل “لا أشعر بالذنب، لأنني لا أفكر في هذا الأمر” من الأصل، أو” لن أكترث بالأمر لأن الضحية لا تعاني” من شيء جراء ذلك.
من جهة أخرى، لا يخفى أن التنمر اكتسب أنماطا وأشكالا جديدة خلال السنوات القليلة الماضية. فبرغم أن من سماته الشائعة أنه يمثل سلوكا عدوانيا متكررا، فإن عالم الإنترنت يضفي طابعا ضبابيا على هذا الأمر، بالنظر إلى التأثير المحتمل الذي قد تُخلّفه واقعة تنمر واحدة فحسب، تحدث عبر الشبكة العنكبوتية.
وتتساءل أسبيليدج في هذا الإطار: “هل بات من الواجب أن يحدث هذا السلوك أكثر من مرة، في وقت يصل ما ينشره المرء على الإنترنت إلى مليون شخص تقريبا في اللحظة ذاتها؟ الإجابة هي `كلا على الأغلب`”.
في واقع الأمر، ثمة أوجه شبه متعددة بين التنمر في المدارس ونظيره الإلكتروني، بقدر جعل بعض الباحثين يذهبون للقول إنهما أصبحا متماثلين بل ويشكلان شيئا واحدا، خاصة أن التلاميذ غالبا ما يستخدمون هواتفهم المحمولة داخل الصفوف الدراسية.
ومن بين الباحثين الذين أولوا اهتمامهم لهذه المسألة تحديدا، كالي تزاني-بيبلاسي المُحاضرة في علم النفس الاستقصائي، الذي يُعنى بوصف تصرفات المعتدين وبلورة فهم أفضل للجرائم وطبيعتها. فقد أجرت تزاني-بيبلاسي – التي تعمل في إحدى الجامعات البريطانية – دراسة أظهرت أن الكثير ممن يمارسون التنمر في المدرسة ضد زملائهم، يواصلون في حقيقة الأمر سلوكيات تنمر بدأوها على شبكة الإنترنت.
وتقول في هذا الشأن: “ربما يكونون جالسين إلى جوار بعضهم بعضا، لكنهم يفضلون ممارسة التنمر عبر منصات التواصل الاجتماعي، لأن ذلك يكفل لهم أن تُرى تصرفاتهم من جانب عدد أكبر، وأن يراودهم إحساس زائف بالشهرة”.
إذا ما الذي يجدر بك فعله إذا شعرت بأن طفلك ربما يكون ممن يتنمرون على أقرانه؟ يمثل التعرف على الدوافع الحقيقية، وربما الخفية لذلك، خطوة أولى جيدة على هذا الطريق. وتقول أسبيليدج في هذا الإطار: “إذا قال لي أحدهم إن طفلي ينخرط في هذه السلوكيات، سأقول للطفل `حسنا؛ ما الذي تحصل عليه من وراء ذلك؟ ولِمَ تفعله؟`”. وتضيف بالقول: “قد يكون السبب أن طفلك يتلقى العلم في مدرسة، يُتوقع من تلاميذها الإقدام على سلوكيات كهذه”.
كما يجدر بنا أيضا أن ننظر في ما إذا كانت تصرفاتنا نحن أنفسنا، هي التي تؤثر ربما على تصرفات الطفل.
ومن بين أساليب مواجهة مشكلة التنمر في المدارس، استحداث منظومة لدعم التلاميذ الصغار، عبر اختيار زملاء لهم أكبر سنا، ليكونوا مرشدين لهم على صعيد كيفية التصرف بشكل سليم، حينما يلتحقون بالمدرسة للمرة الأولى.
وتعتبر الباحثة تزاني-بيبلاسي أن من بين مميزات هذا الأسلوب أنه يمنح الفرصة للتلاميذ الأصغر سنا لتعلم السلوكيات الواجب القيام بها من زملائهم الأكبر. لكن ذلك لا يقلل من أهمية أن يسود المدرسة في الوقت نفسه، مناخ عام مناوئ للتنمر.
وتشير في هذا الصدد إلى أن “الأمر يقتضي الكثير من المثابرة والاتساق في التصرفات من جانب المعلمين وفريق العاملين عموما في المدرسة، لأن المنظومة لن تؤتي أُكلها دون مشاركة هؤلاء”.
وتتفق أسبيليدج مع الرأي القائل بأن من بين العناصر الرئيسية في هذا الشأن، وجود علاقة قوية سواء في أوساط المعلمين أو التلاميذ. وتقول: “ما تبين لنا من الدراسة التي قمنا بها، أن نسبة التنمر تقل في المدارس التي تولي اهتماما لمسائل مثل الترابط، وتهتم كذلك بأن تضمن أن كل التلاميذ فيها يشعرون بالانتماء لها”.
لكن هذا الدعم يغيب في كثير من الأحيان. ففي عام 2014، نشرت أسبيليدج وزملاؤها دراسة جرت على مدار خمس سنوات، وأظهرت نتائجها وجود علاقة مثيرة للقلق بين التنمر والتحرش الجنسي في المدارس. وكشفت الدراسة النقاب عن أن التنمر بالأطفال الصغار يتضمن غالبا إهانات متصلة بالمثلية الجنسية، وهو ما يتطور إلى تحرش جنسي في مراحل دراسية لاحقة.
غير أن الأطفال الذين شكلوا أطرافا لتحرش من هذا النوع، سواء كانوا مرتكبيه أو ضحاياه، لم يبد أنهم يدركون مدى خطورة تلك الوقائع، ربما لأن المعلمين لا يتدخلون لمنع حدوثها أو تفاقمها.
وتعقب أسبيليدج على ذلك بالقول إن “استمرارية السلوك العدواني وتسلسله المطرد، من تنمر، إلى توجيه اساءات لفظية ذات صلة بالمثلية الجنسية، وصولا إلى العنف الجنسي، وكذلك العنف الذي يحدث عند مواعدة المراهقين بعضهم بعضا، هو حقيقة واقعة”.
لكن هل يكف الأطفال عن التنمر بمجرد وصولهم إلى طور الرشد وإنهائهم لمراحل الدراسة المختلفة؟ برأي هذه الأستاذة الجامعية في التربية؛ قد يحدث ذلك للبعض منهم بالفعل، أو ربما يجد هؤلاء متنفسا ذا طابع آخر، يمارسون من خلاله سلوكياتهم العدوانية.
وتضيف: “بوسعي القول بناء على خبرتي إن بعضا ممن يمارسون التنمر في المدارس يمتهنون وظائف يفيدهم فيها ممارسة هذا النمط من السلوك، سواء كان ذلك عبر العمل ضابطا للشرطة أو أستاذا جامعيا أو محاميا”.
وبعيدا عن كل ذلك، ربما يكون أكثر ما يبعث على الحزن بشأن التنمر أن تأثيره على ضحيته قد يستمر لعقود طويلة، ما يؤدي إلى تدهور الصحة البدنية والنفسية لها كذلك. وبوسعنا هنا العودة إلى يونغز، تلك السيدة التي بدأنا هذه السطور بالحديث عن تجربتها مع التنمر خلال المرحلة الإعدادية. فهي الآن قد تدربت على أن تصبح خبيرة في مساعدة الناس على تجاوز المواقف المؤلمة والمحزنة. كما أنها تأمل في أن يكون بمقدورها مد يد العون لمن مروا بمعاناة كتلك التي كابدتها، ولحقت بهم خسائر مماثلة.
فمن بين الخسائر التي أصابتها جراء التنمر – بحسب قولها – فقدان “الشعور بأنك تعيش حياة عادية، وفقدان الثقة والأمن والأمان”.
وفي وقت سابق من هذا العام، فوجئت هذه السيدة بتواصل عبر فيسبوك من جانب الفتاة التي كانت أكثر من يستأسد عليها في المدرسة، وذلك للاعتذار لها. غير أن يونغز شعرت بالغضب، قائلة إن هذا الاعتذار لم يُفدها في شيء على الإطلاق على صعيد “تخفيف أي ألم عرضتني هذه الفتاة له. وربما ساعدها الاعتذار، لا أعرف بالضبط”.
لكن من حيث الجوهر، تعتقد روبي سام يونغز أن الاعتذار – تماما مثله مثل سلوك التنمر الذي خلّف هذا الأثر السلبي الكبير على حياتها – يمثل أهمية ما لمن قدمه أكثر من أهميته بالنسبة لها هي.
وتَخْلُصُ للقول: “أشفق عليها لأن بوسعي أن أدرك أنها ربما فعلت ما فعلته، لأنها كانت تواجه مشكلات في المنزل أيضا. غير أنني لا أتفق مع ما قامت به” بطبيعة الحال.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link