شركات تمنح موظفيها عطلات إضافية إذا قاطعوا السفر بالطائرات
[ad_1]
تعمل نيشا غلين خبيرة في التخطيط، وتعكف حاليا على تحديد التفاصيل الخاصة بعطلة ستمارس فيها التزلج على الجليد في منطقة جبال الألب الفرنسية، رغم أنه لا يزال هناك ستة أشهر كاملة على موعد الرحلة التي ستقوم بها خلال عام 2020، انطلاقا من منزلها في لندن.
وستتضمن رحلتها ركوب ثلاثة قطارات تقليدية، بجانب قطار جبلي مائل معلق. وتغيب عن المشهد في هذه الرحلة المرتقبة وسيلة نقل رئيسية، لأسباب بيئية على الأرجح، وهي الطائرات.
وتقر غلين بأن ترتيب رحلة من هذا النوع ليس بسهولة “الولوج إلى موقع إلكتروني وحجز بطاقة سفر على رحلة جوية، ثم التوجه إلى المطار”.
وفي وقت تتسم فيه الترتيبات اللوجيستية لرحلتها – التي لا تتضمن السفر جوا – بأنها أكثر صعوبة بقليل من ترتيبات الرحلات العادية، فإن التكاليف تماثل تلك التي ستتكبدها حال استخدامها الطائرات، بالنظر إلى الرسوم الإضافية التي تفرضها شركات الطيران على نقل معدات التزلج.
ولدى غلين، البالغة من العمر 26 عاما، حافز لكي تخطط رحلتها على هذه الشاكلة، فهي مسؤولة بارزة في شركة “هولغراين ديجيتال” التي تعمل في مجال إنشاء مواقع إلكترونية للمؤسسات التي تتبنى سياسات تتفق مع القيم والأخلاق.
وتُعرف “هولغراين ديجيتال” بأنها من أوائل الشركات التي أعلنت التزامها بالمشاركة في مبادرة “الامتيازات المرتبطة بالمناخ”. وتشجع هذه المبادرة العاملين والموظفين على استخدام وسائل نقل ومواصلات تسبب انبعاثات كربونية أقل، عند ذهابهم لعطلاتهم.
وفي هذا الإطار، تتعهد الشركات المشاركة في تلك المبادرة، بأن تمنح ما لا يقل عن يوميْ عطلة مدفوعيْ الأجر سنويا، لموظفيها الذين يذهبون لعطلاتهم على متن حافلات وقطارات أو سيارات تقل أكثر من راكب، بدلا من اللجوء للطائرات أو السيارات الخاصة.
لكن هذه المبادرة ليست أول أو أخر خطة، تستهدف تشجيع الذاهبين لقضاء عطلاتهم، على التخلي عن السفر جوا.
الحملة الداعية لسفر أبطأ
من الواضح أن اعتماد الرحلات الجوية على استخدام الوقود الأحفوري يؤثر سلبا وبشكل كبير على البيئة. فالرحلة عبر المحيط الأطلسي ذهابا وإيابا تؤدي – مثلا – إلى انبعاث كميات من ثاني أكسيد الكربون، تماثل تلك التي تنجم عن الأنشطة التي يقوم بها المواطن الهندي العادي في المتوسط خلال عام كامل.
ومن هنا يزيد النقاش المتعلق بقيم وأخلاقيات السفر الجوي احتداما، حتى مع تواصل ازدياد أعداد من يلجؤون إليه.
وفي الوقت الحاضر، تقف دولة كالسويد في طليعة البلدان التي تضطلع بجهود تستهدف دفع العالم لإعادة النظر في عاداته على صعيد السفر جوا، وذلك عبر ما تقوم به الصبية الناشطة غريتا تونبيرغ، التي اشتهرت بعدما عبرت المحيط الأطلسي على متن يخت، وما تسعى لتحقيقه الحركة الداعية لمقاطعة السفر بالطائرات المعروفة باسم (بالشعور بالخزي من السفر جوا).
لكن الجهود التي تشهدها بعض الشركات لتشجيع الموظفين على تجنب السفر بالطائرات، تسبق ظهور حركات مثل هذه. فشركة “نيتشرسيف” البريطانية للتأمين، التي تراعي القيم والأخلاقيات في أنشطتها، دائما ما كانت تعمل على استخدام وسائل النقل العامة في التنقلات الخاصة بالعمل. وبدأت في عام 2009 في الاهتمام بملف سفر موظفيها خلال العطلات.
ويقول ماثيو فان دِن إلست، مسؤول عن الشؤون القانونية في الشركة البريطانية، إن شرارة هذا الاهتمام اندلعت من نقاش دار بين أحد المديرين المتحمسين للتنقل بالقطارات وموظف كان يخطط للسفر إلى دولة أوروبية ما لقضاء عطلته. ففي إطار هذا النقاش، تحدث الموظف عما يضيفه السفر بالقطارات من أعباء تتعلق بتطلبه وقتا أطول وتكاليف أكبر، رغم أنه كان متفقا مع مديره على أن التنقل بهذه الوسيلة، أفضل بالنسبة للبيئة وأنه يجعل الرحلة أيضا أكثر متعة.
ونتيجة لنقاش مثل هذا، قررت الشركة تشجيع حركة السفر بالقطار عبر زيادة أيام الإجازة السنوية الممنوحة، لمن يقررون السفر بوسيلة نقل صديقة للبيئة. ومنذ تلك اللحظة، استفاد رُبع الموظفين من هذه الخطوة.
وأوضح فان دِن إلست أن شركة “نيتشرسيف” تخبر عملاءها منذ عقد من الزمان باتباعها هذه السياسة، سواء وجها لوجه أو عبر الهاتف “وهو ما يلقى ردود فعل إيجابية دائما”.
ويعود ذلك في نهاية المطاف بالنفع على الشركة عمليا، فالموظفون يُقدّرون ما تمنحه الإدارة لهم من مزايا، أما العملاء المحتملون فيرون أن تبني سياسات مثل هذه يثبت أن “نيتشرسيف” تلتزم بما ترفعه من مبادئ.
ويبدو أن ثمة إمكانية لتوسيع نطاق منح مزايا مثل هذه، خاصة مع انطلاق مبادرة “الامتيازات المرتبطة بالمناخ”، وهي من بنات أفكار جمعية إغاثية معنية بظاهرة التغير المناخي، تتخذ من بريطانيا مقرا لها، وتحمل اسم “10:10”.
وتقول إيما كيمب، المسؤولة البارزة في الجمعية، إن منظومة السفر الحالية في العالم مشوهة. فـ “أسعار بطاقات الرحلات الجوية رخيصة بشكل مصطنع”، نظرا لأنه لا يتم فرض ضرائب دولية على الوقود الذي تستخدمه الطائرات، وهو ما يبدو “أمرا غريبا”.
كما أن شركات الطيران لا تُلزم عامة بدفع أموال للتعويض عن الحجم الكامل من الخسائر البيئية الجسيمة التي تُحدثها رحلاتها. وتتمثل المشكلة – بحسب كيمب – في أنه لا يوجد “حل تقني لهذا الأمر، فالطائرات التي تعمل بالكهرباء لا تشكل خيارا تكنولوجيا قابلا للتطبيق، كما أن التحول لاستخدام الوقود الحيوي، سيقود كذلك إلى التسبب في مشكلات بيئية”. وتشير هذه الناشطة إلى أن الكثيرين يشعرون بالذنب – ولو بدرجة ما – في كل مرة يستقلون فيها طائرة.
وتدعم كيمب بتصرفاتها العملية هذه الفكرة، فهي لا تمانع من أن تقتصد بشكل أكبر قليلا خلال الشهر السابق مباشرة لعطلتها، من أجل توفير النفقات اللازمة مثلا للتوجه بالقطار إلى كرواتيا.
وتقول كيمب إن جمعية “10:10” قررت التركيز على الرحلات الترفيهية بدلا من الأسفار المخصصة لأغراض العمل، نظرا لتزايد حجم الإقبال على النوع الأول، الذي يستحوذ في الوقت الحالي على نصيب الأسد من حركة السفر على الصعيد الدولي. وحتى هذه اللحظة، أعلنت 16 شركة ومؤسسة مشاركتها في مبادرة “الامتيازات المرتبطة بالمناخ” ومن بينها اتحاد ائتماني، وشركة للهندسة المعمارية، ومؤسسات في ألمانيا والسويد وهولندا.
هل يمكن لهذا التوجه أن ينتشر؟
تقر غلين، مسؤولة الموارد البشرية التي تتطلع للتزلج على الجليد في فرنسا العام المقبل، بأن هذا التوجه ربما لا يكون جذابا لشركة تركز بقصر نظر على حجم الربح النهائي الذي تجنيه ليس إلا. لكن من وجهة نظر تضع في اعتبارها مصلحة شركتها نفسها، ترى غلين أن تبني مبادرة مثل هذه يساعد على جذب الموظفين، الذين يتوافقون في طريقة تفكيرهم مع طريقة التفكير التي تولي اهتماما للحفاظ على البيئة.
ومن حسن حظ هذه السيدة أن زوجها يعمل معها في الشركة ذاتها، وهو ما يُسهل قيامهما بعطلات يتجنبان فيها التنقل باستخدام الطائرات. فالرحلات العائلية قد تصبح ذات طابع أخرق وغريب قليلا، إذا كان أحد طرفيها ينعم بوقت أطول منحه له رب عمله نظرا لاستخدامه وسائل نقل أبطأ سرعة، بينما لا يحظى الطرف الآخر بذلك. ناهيك عن المشاق المترتبة عن السفر بوسيلة نقل بطيئة، مع أطفال صغار أو أشخاص يعانون من مشكلات في الحركة.
لكن هل يتسنى للآخرين في العالم أن ينعموا بخيار اللجوء إلى القطارات كبديل للطائرات، مثل ما يحدث لـ “غلين” التي تعيش في إنجلترا. بعبارة أخرى؛ ماذا لو كنت تعيش في بلد أكبر مساحة ومترامي الأطراف ولديه في الوقت نفسه شبكة نقل ومواصلات عامة أقل تطورا؟
في رأي غلين – التي تنحدر من مدينة ملبورن الأسترالية في الأصل – من الممكن أن ينجح هذا الخيار حتى في بلد مثل أستراليا، لا توجد فيه الكثير من خطوط السكك الحديدية التي تمتد لمسافات طويلة. لكن في كل الأحوال، يتطلب جعل التنقل بوسائل نقل لا تشمل الطائرات خيارا عمليا، عوامل من بينها مشاركة أكثر من شخص في ركوب سيارة شخصية واحدة، أو أن يلجأ هؤلاء لاستقلال الحافلات. كما يعتمد الأمر، على عدد أيام العطلة المدفوعة، التي تستطيع الشركة تقديمها لمن يفضل من موظفيها السفر بوسائل نقل أخرى بخلاف الطائرات.
غير أن أليكسا ديلبوسك، التي تجري دراسات حول صناعة النقل لحساب إحدى الجامعات الأسترالية، ترى أن اتباع خيارات مثل هذه، سيكون “غير عملي على الإطلاق في السياق الأسترالي، فالمسافات هائلة حتى بين الأماكن الواقعة بداخل البلاد”.
وبينما تشير نتائج دراسات ديلبوسك، إلى أن الشبان باتوا أكثر حماسة للسفر داخل المدن من خلال وسائل نقل تقل عددا أكبر من الأشخاص، فإن للسفر لمسافات طويلة طابعا مختلفا. وتخلص هذه الباحثة للقول: “لا أتوقع أن يروق هذا التوجه الجديد لأي شخص، بخلاف غلاة المناصرين لحماية البيئة، وذلك بغض النظر عن طبيعة الجيل الذي ينتمي الناس إليه”.
هكذا يبدو من المسلم به أن هناك فرصة ونطاقا محدوديْن لأي خطط أو مبادرات من هذا النوع. فإجمالي أيام العطلات المدفوعة التي حصل عليها موظفو شركة “نيتشرسيف” مقابل تجنبهم السفر بالطائرات منذ عام 2009، لم يتجاوز 24 يوما. كما أن منح يوميْ عطلة إضافييْن، بالنسبة لمن اعتادوا السفر جوا ويتمتعون غالبا بدخل مرتفع، لا يمثل شيئا ذا بال.
لكن مبادرة “الامتيازات المرتبطة بالمناخ”، تغتنم فرصة الاهتمام المتزايد بين الشبان، بالخسائر البيئية الناجمة عن السفر الجوي، وهو اهتمام لا يقتصر على الناشطين الأثرياء المدافعين عن البيئة وحدهم.
وعلى الرغم من أن نسبة من يعتقدون أن السفر جوا يضر بالبيئة من بين سكان المملكة المتحدة ممن هم في العقد الثامن من العمر وما بعده لا تتجاوز 35 في المئة، فإن النسبة تزيد على ذلك بواقع الضعف في الشريحة العمرية بين 16 و34 عاما. وقد تمثل مبادرات مثل “الامتيازات المرتبطة بالمناخ”، إقرارا مفيدا بأن استمرار الوضع الراهن ربما لن يكون جيدا للشركات والمؤسسات في المستقبل.
كما قد تكون هذه المبادرات دافعا للتفكير بشكل أكثر ابتكارا وإبداعا بشأن العمل والسفر والعلاقة بينهما. ومن بين الأفكار التي يطرحها المناصرون لأسفار صديقة للبيئة ومدروسة على نحو أكبر؛ أن يسافر المرء أقل وأن يمكث في مقصده لوقت أطول.
ومن هنا، فقد يؤدي انتشار مبادرات مثل تلك وتحولها إلى الاتجاه السائد في العالم، إلى أن يُعد أرباب الأعمال أنفسهم لتقبل فكرة منح موظفيهم عطلات أطول، وهو ما سيمثل بشارة خير لأولئك الموظفين المثقلين بأعباء عملهم، ممن لا يتمكنون من استعادة نشاطهم بفعل عطلاتهم الأسبوعية القصيرة، التي يضطرون للتنقل خلالها من مطار إلى آخر للوصول إلى مقاصدهم.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link