لماذا نميل إلى تصديق الأخبار الكاذبة؟
[ad_1]
من الشائع أن نقول إننا محاطون بقدر من المعلومات يفوق ما يمكننا التعامل معه، ومن الأمور الأقل شيوعا أن تجد من يقر بأن الأحكام التي نكوّنها كبشر تعتمد أيضا على “معلومات ثانوية” لا تأتي من أي مصدر خارجي، وتشكل إحدى أكثر الأدوات التي نمتلكها فاعلية، على صعيد التعامل مع هذا الطوفان المعلوماتي نفسه.
ويتمثل مصدر تلك الفئة من البيانات في ما يُعرف بـ “المعلومات الاجتماعية”، وهي – بعبارة أخرى – “ما نعتقد أن الآخرين يعتقدونه”.
لتتصور هنا سيناريو بسيطا من قبيل وجودك وسط مسرح يغص برواده. وفجأة يشرع كل من حولك في الشعور بالذعر الشديد، والبحث عن مخرج. فما الذي ستفعله؟ ولماذا؟ حواسك ستخبرك في هذه الحالة بأن الآخرين يتحركون بشكل محموم. لكن التفسير الاجتماعي الذي تبلوره لهذه المعلومة، هو ما سيخبرك بأهم ما يتعين عليك أن تعلمه، وهو أن هؤلاء الناس يعتقدون أن شيئا سيئا يحدث، وأنه قد يجدر بك محاولة الفرار بدورك.
يمثل ما سبق – على الأقل – أحد التفسيرات المحتملة لحالة الفزع التي تراها حولك، في إطار هذا السيناريو المفترض. فربما تكون أنت – أو هم – على خطأ. إذ قد يكون الأمر متعلقا بإنذار كاذب، أو بجزء من العرض المسرحي أُسيئ فهمه. لذا تشكل “قراءة” المعلومات الاجتماعية بدقة مهارة أساسية، يكرس غالبيتنا قدرا هائلا من الجهد لممارستها وإتقانها.
ففي واقع الأمر، يشكل فضولنا للتعرف على ما يدور في أذهان من حولنا، أحد أكثر الأمور التي افتتن بها البشر على مر التاريخ. كما يمثل ما يفكر فيه الآخرون واحدا من بين أكثر الأشياء التي بذل بنو آدم قصارى جهدهم للتأثير عليها.
ما نتحدث عنه حتى الآن يبدو مألوفا بشدة. لكن الانتشار الهائل للمعلومات المرتبطة بالثقافة الرقمية، أدخل عنصرا جديدا تماما على المعادلة النفسية العتيقة المتصلة بما تحدثنا عنه في السابق، وهو العنصر المتمثل في مستوى جديد ومختلف إلى أقصى حد من مستويات الاعتماد على المعلومات الاجتماعية.
كما يتمثل هذا العنصر في مجموعة جديدة من المخاطر وأسباب القلق الناجمة عن إمكانية وقوع أخطاء أو حدوث تلاعب أو التعرض لتأثير قوي جارف.
وقد أطلق الباحثان الدنماركيان فينسنت هندريكس وبيلي هينسِن على هذه العمليات الفكرية المحمومة والمضطربة اسم “عاصفة المعلومات”، وذلك نظرا للطابع المفاجئ والعاصف الذي يتسم به تدفق المعلومات الاجتماعية.
وعارض الباحثان اعتقادا مفاده أن وجود الأخبار الزائفة على شبكة الإنترنت يعود إلى حماقة البشر وتصرفهم على نحو غير منطقي، وطرحا من خلال الدراسات التي أجرياها تصورا بديلا مثيرا للاهتمام في هذا الشأن.
فبدلا من أن يقرر الاثنان – بيأس مثلا – أننا نحيا الآن في حقبة قد نصفها بـ”عصر ما بعد الحقيقة الذي تحكمه قوى غير عقلانية”، ذهبا إلى القول في كتابهما الذي يحمل اسم “عواصف المعلومات”، إن الكثير من المواقع أو الأمور المتصلة بالعالم الرقمي، من تلك الأكثر إثارة للانقسامات والنزاعات، هي في واقع الأمر نتاج لعمليات اتخاذ قرار تمت على نحو عقلاني تماما من جانب الأطراف المعنية بها، وأن هذه المسائل لم تنشأ بسبب الحماقة البشرية، بقدر ما نبعت من طبيعة البيئات التي وُلِدّت فيها هذه المعلومات نفسها.
فإذا نظرت مليا ـ على سبيل المثال ـ إلى كيفية انتشار خبر مغلوط عبر إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، ستجد أنه بمجرد شيوع هذا الخبر بين عدد محدود من الناس؛ سيواجه أي شخص يصادفه لاحقا، ما يشكل في أساسه سؤالا لا يحتمل سوى إجابة من اثنتين وهو: هل ما أطالعه حقيقي أم لا؟ وإذا لم يكن لدى الإنسان في هذه الحالة معرفة مباشرة بالأمر، سيكون بوسعه ـ نظريا ـ البحث عن المعلومة في مصادر أخرى، وهي عملية تحقق شاقة ومرهقة تنطوي على التنقيب والبحث في أكداس من الادعاءات والادعاءات المضادة.
لكن سيكون بحوزته في الوقت ذاته، وسيلة أخرى أبسط من ذلك بكثير، لفهم ما يدور حوله وتقييمه، ألا وهي محاولة التعرف على ما يعتقده الآخرون بشأنه، والاسترشاد بما يبدونه من معتقدات في هذا الصدد.
ويقول هندريكس وهينسِن في هذا السياق: “عندما تفتقر للمعلومات الكافية لحل مشكلة تواجهك، أو حتى إذا كان الأمر يقتصر على كونك لا تريد أن تحل هذه المشكلة، أو تفتقر للوقت اللازم لذلك، فقد يكون من المنطقي في هذا الإطار أن تقلد الآخرين”.
لذا، فإذا كنت لا تعلم سوى القليل عن شيء ما، أو كانت المعلومات المتعلقة بهذا الأمر هائلة وغامرة؛ فمن المنطقي للغاية أن تلحظ ما هو بادٍ لك من معتقدات يُكِنُها الآخرون بشأن ذلك الموضوع، وأن تعتبر ذلك بمثابة مؤشر تحدد من خلاله طبيعة ما يجري حولك.
في واقع الأمر، يمثل ذلك – على الأغلب – رد الفعل الأكثر عقلانية، طالما كان لديك سبب وجيه يحدوك للاعتقاد بأن بمقدور الآخرين الاطلاع على معلومات دقيقة حول ما تساورك الحيرة بشأنه، ومن ثم تكوين رأي دقيق حوله، وإذا كان هناك أيضا مبرر منطقي يجعلك كذلك تؤمن بأنه لا يوجد تناقض بين أفكار هؤلاء الأشخاص – كما تبدو لك – وبين ما يعتقدونه بالفعل.
ويشكل إضفاء طابع آلي ومنهجي على ملاحظتنا لما يعتقده الآخرون بشأن ما يدور حولنا، أحد الأفكار المؤسسة لعصر الإنترنت. ولعله يجدر بنا هنا أن نذكر أن من بين الأفكار المبتكرة الأوليّة لمحرك بحث غوغل، أن القائمين عليه جعلوا تصرفات المستخدمين أنفسهم وتوجهاتهم حيال المواقع الإلكترونية في العالم المعيار الرئيسي لتقييمها، بدلا من محاولة القيام بمهمة مستحيلة من قبيل السعي لبلورة تقدير دقيق وفعلي لكفاءة تلك المواقع ومدى فائدتها.
علاوة على ذلك، تضع خوارزمية “بيدج رانك” – التي تستخدمها غوغل – في صلب آلية التقييم الخاصة بها برنامجا يُعنى بتوجهات “صانعي المضمون” على الشبكة العنكبوتية. ويعمل هذا البرنامج على تحديد طبيعة الارتباطات القائمة بين كل صفحة على الإنترنت والصفحات الأخرى.
من جهة أخرى، فرغم أن ما سنقوله الآن قد يبدو واضحا بصورة صارخة في عصرنا الحالي؛ فإن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى أنه يجدر بنا التوقف برهة، لإدراك مدى أهمية مسألة تحديد قيمة “المعلومات الاجتماعية والتحكم فيها”، بالنسبة للشركات التي تنشد تحويل البيانات الموجودة على الإنترنت إلى أرباح.
والآن قد يتساءل البعض عن الطريقة التي يمكن للمرء من خلالها أن يتعامل مع “عاصفة معلوماتية”. إذا كان الأمر يتعلق بموقف ذي طبيعة اجتماعية؛ بوسعنا أن نبدد أي إجماع تبلور بين الناس على تصور زائف، عبر نشر معلومات جديدة جديرة بالثقة علنا.
فإذا عدنا إلى السيناريو الافتراضي الذي تحدثنا عنه في بداية هذه السطور والمتعلق بوجود المرء في مسرح تشيع فيه حالة من الذعر المفاجئ؛ سنجد أنه سيمكننا التصدي لهذه الحالة، عبر إصدار إعلان رسمي يوضح حقيقة الأمر ويضع حدا لأي لبس.
أما إذا كان الأمر يرتبط بانتشار شائعة ما، فبالإمكان دحض هذه الشائعة عبر إقرار مَنْ نشرها بأنه روجها عن طريق الخطأ أو بسبب ارتباكه مثلا.
لكن الأمر يبدو مختلفا على شبكة الإنترنت. فعلى أقل تقدير، ثمة تعقيدات تكتنف فكرة وجود مصادر موثوق بها بشكل عام على الشبكة، أو إمكانية نشر إعلانات وإقرارات يمكن للجميع الاطلاع عليها.
رغم ذلك، تشير دراسات كتلك التي يجريها هندريكس وهينسِن إلى أن ثمة أملا، خاصة إذا تذكرنا أن الآليات التي يقترحها الاثنان، تتسم – وبشكل جوهري – بالحياد التام فيما يتعلق بالتمييز بين ما هو حقيقي وزائف. فالعواصف المعلوماتية مثلها مثل نظيرتها الفعلية، ليست سوى نتاج لظروف مناخية، أو – بعبارة أخرى – أعراض لأشياء أخرى أوسع نطاقا. لذا فمن شأن ظروف مناخية مختلفة إحداث نتائج شديدة الاختلاف.
فعلى سبيل المثال، تقل في الشبكات الاجتماعية التي يتعرض أفرادها – بشكل عشوائي – لمجموعة من الرؤى ووجهات النظر المتنوعة، مخاطر تعرض هؤلاء الأشخاص لوابل من المعتقدات والأفكار أحادية التوجه.
وفي هذا السياق، يمكن معالجة مشكلة مثل إعطاء أهمية أكبر من اللازم لرد الفعل الأوليّ على معلومة ما، من خلال توجيه الاهتمام للمصادر التي تتداول هذه المعلومة، وتحديد مدى صدقها والتعرف على المنشأ الأصلي لها كذلك. بجانب ذلك، يمكن تبديد أي إجماع في الرأي على صحة معلومة خاطئة، إذا تم نشر المعلومات الدقيقة بشأن هذا الموضوع، من خلال استخدام مصدر موثوق فيه.
ولعل الأمر الأكثر أهمية هنا، إدراك أن بوسعنا اعتبار الطريقة التي تسري بها “المعلومات الاجتماعية” عبر شبكة ما، رد فعل عقلانيا من جانب المرء على معاناته من الشك وعدم اليقين في موقف ما، بدلا من أن نراها تصرفا يتسم بالاندفاع واللا عقلانية؛ لا يمكن التعامل معه سوى بمزيد من عدم العقلانية.
في نهاية المطاف، فإن استيعابنا لتسلسل الأحداث الذي قاد شخصا ما لبلورة وجهة نظر بعينها، يزيد من فهمنا لما قد يعنيه تكوين رؤى أخرى مغايرة. ويؤدي ذلك أيضا إلى نتيجة لا تقل أهمية، وهي إدراكنا لقيمة أن نغرس في الأذهان بذور التفاعل مع المعلومات، دون التخلي عن تبني نظرة نقدية متشككة.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]