هل توجد صداقة بين رجل وامرأة بلا انجذاب جنسي؟
[ad_1]
“لا يمكن للرجال والنساء أن يصبحوا أصدقاء، لأن الجانب الجنسي دائما ما يعترض طريق هذه الصداقة”. وردت العبارة السابقة على لسان الشخصية التي تحمل اسم هاري برنز في فيلم “وين هاري ميت سالي” (عندما التقى هاري بسالي)، وقد تفوه بها بعد لحظات قليلة من قول سالي له إنها لا تُكِنُ له سوى مشاعر الصداقة.
من جانبها، سردت سالي – ضمن الأحداث – قائمة أصدقائها الرجال، الذين لا تضمر لهم سوى مشاعر صداقة خالصة. ويتضح لنا من خلال الفيلم، أنها تؤمن بإمكانية قيام علاقة صداقة بين الرجل والمرأة، دون أن يشوب ذلك مشاعر إعجاب جنسي، لكن هاري يختلف مع ذلك بشدة. فمِنْ منهما على حق؟
يقودنا ذلك للحديث عما يُعرف بـ “خانة الصداقة”، التي تشكل إحدى العوامل التي تساعدنا على فهم ما يحدو بنا إلى مصادقة أشخاص آخرين، وتمثل عنصرا يفيدنا كذلك في التعرف على الطرق التي نحدد من خلالها ما إذا كانت هناك مشاعر اهتمام جنسية الطابع حيالنا من جانب من حولنا أم لا. ويضع المرء في هذه “الخانة” من يحبونه من طرف واحد، وذلك بفعل رفضه لمشاعر الحب هذه ورغبته في الوقت نفسه في الإبقاء على علاقة طيبة مع من يُكِنُها له.
المجازفة والمكافأة
تمثل محاولة إغواء صديق/صديقة للانخراط في علاقة رومانسية معك، أمرا ينطوي على مجازفة كما قد يعود عليك بمكافأة كذلك. ويشعر الرجال – غالبا – بانجذاب لصديقاتهم، بنسبة أكبر من تلك التي تنجذب بها النسوة إلى أصدقائهن.
وفي إحدى الدراسات، طُلِبَ من الرجال والنساء إجراء محادثة مقتضبة، على أن يحددوا بعدها مدى انجذاب كل منهم للآخر من جهة، ومدى الجاذبية التي يتصورون أنهم يتسمون بها في عيون نظرائهم من أبناء الجنس الآخر من جهة أخرى. وأظهرت النتائج أن الرجال بالغوا في مدى جاذبيتهم في عيون النسوة، بينما بخست بنات حواء من حجم انجذاب الذكور إليهن.
فضلا عن ذلك، ينزع الأشخاص الذين يرون أنهم شديدو الجاذبية، للمغالاة في افتراض كونهم محط اهتمام ذي طابع جنسي من جانب من حولهم. فقد تدفعهم ثقتهم في مدى جاذبيتهم إلى المجازفة بتكوين تصور مثل هذا. أو ربما يعتقد هؤلاء أنهم أكثر جاذبية مما هم عليه بالفعل، وهو ما يفضي إلى أن يُقابلوا بعدد أكبر من مرات الصد والرفض.
وتقول الخبيرة في علم النفس الاجتماعي أنتونيا آبي – التي تعمل باحثة في إحدى الجامعات الأمريكية وتدرس العلاقات بين البشر – إن المرء يميل إلى تصور أن شيئا ما قد حدث بالفعل بمجرد أن يتوقع حدوثه. وتوضح بالقول: “إذا اعتقدت أن شخصا ما يراك جذابا من الوجهة الجنسية؛ فإنك ستضع أي تصرف يبدر منه في هذه الخانة. فإذا مال إلى الأمام أو ضحك أو ما إلى ذلك، فستُفسر ذلك على أنه إشارة ذات طابع جنسي”.
وفي المرحلة الثانية من الدراسة التي تحدثنا عنها في بداية هذه السطور، طلب الباحثون من أشخاص خارجيين لا يندرجون ضمن أفراد العينة، ملاحظة كيفية تطور الحديث بين الأشخاص الذي يجري عليهم البحث من الرجال والنساء، وتحديد مدى انجذاب كل منهم للآخر. اللافت أن “المراقبين” من الذكور اتفقوا مع تصور الطرف الذكوري في إحدى الحالات بأن السيدة التي يتحدث معها انجذبت له بقدر يفوق ذاك الذي أفصحت عنه هي نفسها.
على الجانب الآخر، رأت النساء اللاتي تولين ملاحظة المحادثة بين الطرفين، أن مشاعر الانجذاب التي نشأت بينهما كانت أقل مما هي عليه بالفعل، وهو رأي أبداه الطرف الأنثوي في ذلك الحديث. ويعني ذلك تجسيدا فعليا للاختلاف الذي كان قائما في الرأي بين هاري وسالي في الفيلم.
وقد يعود ما سبق إلى الصور النمطية القائمة لدينا بشأن الأدوار التي يُفترض أن يقوم بها كل من الذكور والإناث في سياق العلاقات العاطفية. وقد درس باحثون مثل آبي النقاشات والحوارات، التي دارت بين من يستهلون علاقة غرامية، وهي تلك التي يُطلق عليها “سيناريوهات المواعدة”.
ويمكن أن تكشف هذه السيناريوهات تسلسل الأحداث الذي يقود إلى نجاح مساعي إقامة علاقة غرامية أو فشلها. وتبين في هذا السياق، أن لدينا غالبا أدوارا نحدد في أذهاننا مسبقا هوية من يُفترض أن يضطلع بها من الجنسين.
وتقول آبي: “يؤثر السياق بحق في تفاعلات مثل هذه.. فربما يكون الرجال أكثر بحثا من النساء عن إشارات تفيد بوجود إعجاب بهم، وذلك لأن الأدوار التقليدية المُتصورة للجنسين، تشير إلى أن الرجل عادة هو من يأخذ بزمام المبادرة. ومع أن ذلك يبدو تصورا عتيقا وعفا عليه الزمن في عام 2019، فإن العدد المحدود من الدراسات ذات الطابع النوعي، التي تبحث مسألة المواعدة، أشارت إلى أن الناس يميلون لمواصلة طرح موضوعات تقليدية تتناول مسائل مثل مَنْ الذي يجدر به المبادرة بطلب اللقاء الرجل أم المرأة؟ ومن منهما يتعين عليه دفع حساب المأكل أو المشرب مثلا، وأمورا من هذا القبيل. تُحجم النساء عن الفعل عادة، ويشعر الرجال بأن عليهم عبء المبادرة بالتحرك”.
لكن إذا كانت العلاقات التي تقوم بين الرجال والنساء، تشهد نزوعا من جانب الذكور لأن يكونوا هم المبادرين، فما الذي يحدث في العلاقات بين المثليات؟ تبين أن “سيناريوهات المواعدة” الخاصة بهذه الفئة تركز بشكل أكبر على وجود تقارب حميمي بين طرفيها أكثر من نشوء علاقة جنسية، وذلك على عكس ما أظهرته دراسة “السيناريوهات” التي تخص المثليين الرجال.
علاوة على ذلك، ثمة فوائد تنجم عن قيام صداقات ذات طبيعة غامضة قليلا بين المنتمين للجنس نفسه.
من ناحية أخرى، تقول النسوة إنهن يحظين بحماية من جانب أصدقائهن من الجنس الآخر، بقدر أكبر من تلك الحماية التي يلقاها الرجال من صديقاتهم في إطار علاقات الصداقة نفسها. كما تعتبر النساء أن هذه الحماية تنطوي على فوائد جمة. وقال الرجال والنساء على حد سواء إن الأصدقاء من الجنس الآخر، يسدون إليهم النصح بشأن الطرق التي تكفل لهم جذب انتباه شركاء علاقات عاطفية محتملة.
ولا غرابة في أن مسألة تلقي الحماية هذه تبدو عتيقة في الوقت الراهن، بالنظر إلى أنها تضرب بجذورها في ماضينا. فأسلافنا مثلا كانوا يفضلون أن يقترن المرء بأكثر من زوج/زوجة، لكن دون الجمع بين اثنين/اثنتين منهما في الوقت نفسه. أي أن الاقتران بين أي زوجين لم يكن أبديا، وإنما كان بوسع الرجل أو المرأة الاقتران بأكثر من زوج/زوجة على مدار حياته أو حياتها.
لذلك، كان يمكن للأم أن تنجب أطفالا من آباء مختلفين. وبطبيعة الحال، كان من المفيد لها أن تتلقى الدعم والرعاية والحماية من جانب والد هذا الطفل أو ذاك خلال تربيتها له. ومن هذا المنطلق، كان إنجابها لأطفال ذوي آباء مختلفين ونجاحها كذلك في اجتذاب رجال آخرين إليها في إطار علاقات صداقة، يفسح لها المجال لأن تحصل على الحماية من جانب عدد أكبر من الذكور في وقت واحد.
ومن جانبها تقول آبريل بليسكي-ريتشك، باحثة في جامعة “أو كلير – ويسكونسن” الأمريكية: “هناك فكرة غربية مفادها أن زواجك يعني أن تظل وفيا ومخلصا لزوجك وحده لا سواه”. لكن طبائعنا وشخصياتنا أكثر تعقيدا من ذلك، فـ “الرجال والنساء يريدون ارتباطا طويل الأمد، ويبدون استعدادا في الوقت ذاته لتبني استراتيجيات هادفة لإقامة علاقات جنسية قصيرة المدى عندما يكون ذلك مفيدا بالنسبة لهم”.
من جهة أخرى، ربما يكون هناك فارق دقيق بين اهتمامك بشخص آخر بدافع جنسي، وشغفك به لأسباب رومانسية. وقد أكدت إحدى الدراسات القاعدة العامة التي تقول إن الرجال يبالغون في تصور أن النساء ينشغلن بهم جنسيا، وأن الإناث يقللن من مدى انشغال الذكور بهن للغرض نفسه. المفارقة أن الدراسة أشارت إلى أن هذه القاعدة لا تنطبق على المشاعر الرومانسية. وقد يعزز ذلك فكرة أن سوء الفهم ينشأ عندما يركز الناس على الأهداف قصيرة المدى، لا العلاقات طويلة الأجل.
ولعل من الواجب هنا الإشارة إلى أننا ننشد دون وعي إقامة صداقات مع أشخاص يتسمون بالجاذبية في المقام الأول، وهو ما يعني زيادة فرص قيام علاقات رومانسية بيننا وبينهم لاحقا، نظرا لأننا نرى من الأصل جانبا مغريا ومغويا، في شخصية ذلك الصديق/الصديقة.
وبرأي بليسكي-ريتشك: “يتسم طرفا علاقات الصداقة التي تقوم بين الجنسين؛ بالتحيز الشديد على صعيد تقييم مدى جاذبية الطرف الآخر في العلاقة، وهو ما يفعله الرجال بشكل خاص”. فبحسب الباحثة؛ يقيم الرجال صداقات مع النساء، على الشاكلة ذاتها تقريبا التي يواعدونهن بها.
وتضيف أن “حدوث صداقات بين الجنسين تعقد الحياة العاطفية بحق”. وتتذكر في هذا الشأن حلما رأته خلال نومها قبل عقد من الزمان، قائلة: “استيقظت خلال الليل بعد أن رأيت حلما ظهر فيه زوجي وهو يتحدث على باب المدرسة مع إحدى الأمهات التي كنّا نرتبط معها بعلاقة صداقة في الحياة الواقعية. كانت هذه الأم سيدة جذابة وطويلة وممشوقة القوام ذات جسد مشدود خال من الدهون. وهي متزوجة من رجل ضئيل البنية الجسدية، بينما يتسم زوجي بالطول. لذا كان من الطبيعي أن يؤثر ذلك على تفكيري (وأن أشعر بالغيرة). في الحلم، كان حديث زوجي يثير ضحكات تلك المرأة، التي كان لديها كل ما يمكن أن يثير انزعاجي فيما يتعلق بالتنافس والغيرة بين الإناث وبعضهن البعض. استيقظت حينذاك ووخزته لكي أخبره بحلمي، فقال لي `هل تريدين أن نصادق أشخاصا أقل جاذبية؟`”.
ويبدو هذا السؤال معقدا، فوفقا للباحثة نفسها: عادة ما “نريد أصدقاء يشبهوننا ويحفزوننا. نريدهم جذابين لأن ذلك يوفر لنا عددا من المنافع”. غير أن لذلك ثمنا.
ومن بين الأمور اللافتة أيضا، أن احتمال أن نُقابل بالصد والرفض لا يشكل حائلا يمنعنا من أن نحاول إقامة علاقة عاطفية مع شخص ما بفعل الافتتان به. فالناس يشعرون بالأسف لفقدان فرصة إقامة علاقة غرامية أكثر من شعورهم بالانزعاج لفشل مساعيهم لمواعدة شخص ما.
وقد أظهرت إحدى الدراسات أن معرفة أفراد العينة بأن نجاح محاولاتهم لمواعدة شخص بعينه لا تتجاوز 45 في المئة لم تثن 83 في المئة ممن أجري عليهم البحث عن القول إنهم سيمضون قدما على هذا الطريق. بل إن تراجع فرص النجاح إلى 5 في المئة فقط، لم يمنع من أن يقول 41 في المئة ممن شملتهم الدراسة، إنهم سيجربون فرصهم رغم وجود احتمال هائل لأن تُرفض مساعيهم هذه.
وتعقّب سامانثا جويل – الأستاذة المساعدة في جامعة ويسترن أونتاريو الكندية على ذلك بالقول: “الرفض مؤلم، لكن الناس لا يزالون يحاولون مواعدة الآخرين”.
المدهش أن هذا السلوك يصدر كذلك ممن يفتقرون نسبيا للشعور بالأمان النفسي الكامل، مثل من يعانون من القلق، أو من يفتقرون للثقة الكافية في النفس، وهم أولئك الذين قد يكون الرفض بالنسبة لهم أكثر إيلاما مما يحدث مع سواهم.
وتشير جويل إلى أن ذلك شكّل “مفاجأة، لأن التعرض للصد والرفض هو أكثر ما يخشاه الأشخاص الأقل شعورا بالأمان النفسي. ويتوقع هؤلاء أن يحدث لهم ذلك بقدر أكبر من غيرهم، وهو توقع لا يكون صحيحا في أغلب الأحيان”.
المعضلة أن هؤلاء الأشخاص يرغبون في الوقت ذاته – وباستماتة – في أن يحبهم الآخرون. “وهو ما يجعل حجم خطر ألا يجدوا من يحبهم أكبر في نظرهم، من الضيق المحتمل أن يصيبهم بفعل فشل محاولاتهم للتقرب ممن حولهم. لذا فبالرغم من أن الخوف من الرفض يزيد لدى هؤلاء عن نظرائهم، فإن حافزهم للمجازفة يكون كذلك أقوى”، وهو ما يحدو بهم للمحاولة رغم كل شيء.
وتؤكد آبي أن توجهاتنا نحو أصدقائنا قابلة للتغير بسهولة، لتتحول إلى اهتمام ذي طابع عاطفي أو جنسي، قائلة إن “الجانب الأكبر من الاهتمام رومانسي الطابع يتراكم (لدينا) بمرور الوقت. فقد تحسب أنك منخرط في علاقة حب عذري، لكن ذلك قد يتغير أحيانا. وعندما تحاول التصرف بناء على هذه المشاعر المتغيرة، يُكلل الأمر بالنجاح في بعض المرات – مثلما حدث في (فيلم) عندما التقى هاري بسالي – ويخفق في مرات أخرى”.
ومع أن النظرية التطورية المتعلقة بأصول مثل هذه السلوكيات، تقدم تفسيرا أنيقا لأمور كهذه، فإن آبي تشير إلى أن التركيز على أفعالنا لا ماضينا، يشكل السبيل الأمثل لتحدي التصورات التقليدية للأدوار المنوط بكل من الجنسين الاضطلاع بها في سياق مواقف المواعدة.
وتوضح قائلة: “يمكن – باعتقادي – الاستفادة من النظريات التطورية، لكنني أجد أن النظر إلى السيناريوهات الاجتماعية والأدوار الاجتماعية المحددة لكل من الجنسين أكثر فائدة، لأن هذه السيناريوهات والأدوار، تمثل تلك الأمور التي يمكننا تغييرها”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link