لماذا يفضل الشاب السويدي العيش بمفرده؟
[ad_1]
يراود حلم الاستقلال عن الأهل الكثير من المراهقين في العالم، لكن في معظم البلدان الغربية يدرك الشباب من مواليد الثمانينيات وحتى مطلع الألفية الثالثة أن هذا الحلم أصبح نوعا من الترف عليهم الانتظار وقتا طويلا لتحقيقه.
إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الشباب في الولايات المتحدة الذين يعيشون في منزل العائلة زادت عن أي وقت مضى. وأشارت دراسة أجريت عام 2019 إلى أن نسبة الشباب في سن 23 عاما الذين يعيشون في منزل العائلة في المملكة المتحدة وصلت إلى 49 في المئة.
أما في السويد، فإن وضع الشباب يختلف تماما عنه في سائر البلدان الأوروبية، إذ تستقل الغالبية العظمى من الشباب السويدي عن عائلاتهم في سن 18 أو 19 عاما، ليعيشوا في شقة بمفردهم، ولا يضطرون لتقاسم السكن مع أحد أو حتى الإقامة في بيوت الطلبة.
وتقول أيدا ستابرغ، التي تستأجر شقة بمفردها في منطقة فالينغباي على مشارف ستوكهولم منذ أن بلغت 19 عاما، إنها كانت دوما تحلم بالاستقلال عن العائلة. وتسكن ستابرغ في شقة صغيرة مساحتها 30 مترا مربعا، بموجب عقد إيجار طويل الأجل، ويبلغ إيجارها نحو 850 دولارا شهريا، تدفعها من راتبها الشهري.
وترى ستابرغ أن هناك مزايا عديدة للاستقلال عن العائلة، منها أنها تدرك مدى قدرتها على الاعتناء بنفسها، وأنها تتحكم في حياتها كما يحلو لها، دون التقيد بجداول عائلتها أو شقيقيها.
وتشير إحصاءات مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) إلى أن أكثر من نصف المنازل في السويد يسكنها شخص بمفرده. وبحسب مكتب الإحصاء السويدي، فإن واحدا من كل خمسة شباب تتراوح أعمارهم ما بين 18 و25 عاما يعيش بمفرده.
- شاب يؤسس منصة تعليم عالمية يعدها البعض “بديلا للتعليم الجامعي”
- قلق بين خريجي جامعات اليابان بسبب تغيير نظام التوظيف
ولم تتغير هذه النسبة حتى في أوج أزمة السكن في السويد حين عانى سكان المدن الكبرى للعثور على شقق ميسرة التكلفة في ظل نقص المساكن التي تضع الحكومة ضوابط على أسعار إيجارها.
ويقول غانار أندرسون، أستاذ علم السكان بجامعة ستوكهولم: “إن استقلال الشباب عن الأهل له أهمية كبيرة في السويد والبلدان الشمالية”.
وبينما يعد الاعتماد على الأهل أمرا معتادا في سائر البلدان الأوروبية، حتى إن رفضه في دول جنوب أوروبا يعد بمثابة رفض للأهل، فإن السويديين يحرصون على غرس الاعتماد على النفس والاستقلالية في نفس الصغير، وقد يستهجنون بقاء الابن أو الابنة في منزل الأسرة.
ويعلل أندرسون ذلك بأن ثقافة الاستقلالية قد تأصلت في وجدان السويديين منذ قرون عديدة، حين كان المراهقون في المجتمعات الريفية يغادرون منازل الأهل للعمل في حقول أخرى.
وقد ساهمت عوامل عديدة في استمرار هذا العرف في السويد، منها أن الدعم الذي يحصل عليه الشباب في السويد، بفضل برامج وسياسات الرعاية الاجتماعية، يتيح لهم الحصول على مساكن بأسعار معقولة ورعاية صحية وتعليم دون الاعتماد على الأقارب أو شريك الحياة.
فضلا عن أن معظم الشقق في السويد محدودة المساحة يمكن للشاب استئجارها بمفرده، على عكس البيوت الكبيرة في العواصم العالمية الأخرى التي تشجع الشباب على مشاركة السكن.
هل هو تحرر أم عزلة؟
وبينما يتمتع الشباب السويدي بحرية مالية واجتماعية قد يحسدهم عليها نظرائهم في مختلف أنحاء العالم، فإن بعض المخاوف قد أثيرت مؤخرا بشأن عواقب الاستقلال عن الأهل في سن مبكرة.
وترى كارين شولز، أمينة سر مؤسسة “مايند” الخيرية للصحة النفسية بالسويد، أن تركيز السويديين على الاستقلال عن الأهل بعد إتمام الدراسة الثانوية، قد يؤذي الشباب غير المهيئين نفسيا للعيش بمفردهم.
وتقول سترابرغ التي تبلغ من العمر الآن 21 عاما وتعمل بشركة أمنية، إنها واجهت مشكلات عديدة في أعقاب انتقالها إلى شقتها الخاصة مثل ترشيد الإنفاق وتنظيم المهام الشخصية. فسرعان ما أدركت أن عليها التفكير في أمور كثيرة. إذ لم تكن تعرف في البداية كيفيه دفع الفواتير وإعداد ميزانية للمنزل أو حتى شراء المستلزمات الأساسية التي يحتاجها المنزل بعد نفادها.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه هؤلاء الشباب، على حد قول شولز، هو الوحدة العاطفية في حالة عدم وجود أقارب أو أصدقاء مقربين يتحدثون إليهم عن حياتهم ومشاعرهم.
وعلى الرغم من السمعة العالمية التي تحظى بها السويد في إعطاء الأولوية للحياة الأسرية، إلا أن شولز ترى أن الآباء يهتمون بالدعم العملي لأبنائهم أكثر من اهتمامهم بدعمهم عاطفيا عند الانتقال للعيش بمفردهم.
وأشارت دراسة أجرتها هيئة الإحصاءات السويدية إلى أن أكثر من 55 في المئة من الشباب السويديين من سن 16 إلى 24 عاما لا يتحدثون إلى أي من أقاربهم.
وبينما لا يمكن الجزم بأن الوحدة تسبب أمراضا نفسية معينة، فإن إحصاءات الهيئة الوطنية للصحة والرعاية النفسية بالسويد تشير إلى أن عدد الشباب من سن 16 إلى 24 الذين يرتادون عيادات العلاج النفسي في السويد قد زاد بنسبة 70 في المئة تقريبا في العقد الماضي.
ويصف كريستوفر ساندستروم، الذي كان يعيش بمفرده منذ أن كان في سن 21 عاما، تداعيات الانتقال إلى شقة في ستوكهولم على صحته النفسية، ويقول: “شعرت بوحدة شديدة لم أشعر بمثلها في حياتي. وفترت عزيمتي، وكنت أكثر حزنا وأقل حماسة في الصباح. كنت فقط أريد أن يمر الوقت سريعا حتى ينتهي اليوم”.
ويرى أن المجتمع السويدي يمارس ضغوطا كبيرة على الشاب ليصبح بالغا ويتصرف كالبالغين. لكن العيش بمفردك أكثر صعوبة من العيش مع الأصدقاء والعائلة.
وتقول سترابغ أيضا إن بريق الاستقلالية يزول سريعا، وما لبثت المشاكل النفسية التي كانت تعاني منها في سنوات المراهقة أن طفت على السطح. وتقول: “كنت أشعر بالفراغ والعزلة، وأصبح من السهل تكرار الأفكار السلبية أو الهدامة”.
وخلص استطلاع للرأي أجرته هيئة الإحصاء السويدية إلى أن 16.8 في المئة من الشباب السويدي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و24 عاما ذكروا أنهم شعروا بالوحدة مؤخرا. ويقول فيليب فورس كونولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة أوميو السويدية، إن سكن الشباب بمفردهم كان أحد العوامل التي ساهمت في شعورهم بالوحدة.
لكن معدلات الشعور بالوحدة في السويد لا تزال أقل نسبيا منها في سائر البلدان الأوروبية.
نوع جديد من تقاسم السكن
لاقت قضية انتشار الشعور بالوحدة بين الشباب اهتماما كبيرا في الأوساط السويدية، ونشرت كبرى الصحف اليومية في السويد مقالا تحت عنوان “هل أصبح الشعور بالوحدة آفة العصر؟” وطالبت إحدى الشركات الناشئة الحكومة بتعيين وزير للوحدة. وألقت القضية بظلالها على النقاشات حول ميل السويديين للعزلة وصعوبة إقامة صداقات في السويد.
وانتشر في السويد مؤخرا اتجاها مؤيدا لتقاسم السكن كوسيلة لمعالجة مشكلة الوحدة. وفي عام 2011، حولت ليزا رانيندير، رائدة الأعمال التي عادت من وادي السيليكون، منزلا قديما في ستوكهولم إلى مبنى يستوعب 12 شابا من العاملين الذين يرغبون في مشاركة السكن. وأُعيد تصميم فندق مهجور أيضا ليسع 50 ساكنا من أصحاب المهن.
ودُشن مشروع “كوليف” للسكن المشترك في مايو/ أيار الماضي في أحد أكثر مناطق ستوكهولم حيوية، وتبلغ تكلفة تأجير الغرفة الواحدة المزدوجة 850 دولارا شهريا.
وتقول كاترينا ليلجيستام بيير، التي شاركت في تأسيس المشروع، إن الهدف الرئيسي من هذا المشروع كان الحد من انتشار الشعور بالوحدة، ولا سيما في ليالي الشتاء الطويلة وكذلك إيجاد حل لمشكلة النقص الشديد في الشقق منخفضة التكلفة في ستوكهولم.
وتقول كاترين بيميل، مهندسة تصميم الواقع الافتراضي وتسكن في غرفة مشتركة بمشروع “كوليف”، إن وجود آخرين معك في الغرفة، خاصة إن كانت تجمعكم ميول مشتركة، يزيد الشعور بالسعادة.
وأشار تقرير أجرته شركة “يونايتد مايند” للاستشارات إلى أن نصف الشباب من سن 18 إلى 35 عاما في ستوكهولم يرغبون في تقاسم السكن مع آخرين.
وترافق هذا الإقبال على السكن المشترك مع انتشار كبير في التطبيقات التي تحث السويديين على مخالطة الآخرين والبحث عن أصدقاء لهم اهتمامات مشتركة والانضمام إلى أنشطة جماعية. وانتشرت أيضا مساحات العمل المشتركة التي تعكس زيادة في عدد رواد الأعمال أو العمال المستقلين.
ويرى أندرسون أن ثقافة الاستقلالية في السويد قد تحول دون انتشار مشروعات السكن الجماعي. ويقول إن الأجيال السابقة حاولت تدشين مشروعات مشابهة لكنها لم تلق رواجا.
ويرفض الكثير من السويديين التنازل عن العيش بمفردهم. وتقول جونا لوندين، التي تعيش في شقة بمفردها في ستوكهولم بالقرب من جامعتها منذ أن بلغت 19 عاما: “في السويد نعشق الشعور بالاستقلالية والاعتماد على الذات”. وتضيف أنها نادرا ما تشعر بالوحدة أو الملل بسبب العيش بمفردها، وتستبعد تماما العودة إلى منزل العائلة أو تقاسم السكن مع آخرين مهما حدث.
وتقول أيدا ستابرغ: “رغم الأوقات الصعبة التي مررت بها وقساوة الوحدة، إلا أن العيش بمفردك يعلمك الكثير وينمي شخصتك”، وقد تعكس كلماتها المثل السويدي القديم الذي يقول “من علامات القوة أن تكون بمفردك”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link