أخبار عربية

هل تستمر الهيمنة العسكرية الأمريكية في آسيا مع تقدم القوة الصينية الصاعدة؟



حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس كارل فينسون" في بحر الصين الجنوبي

مصدر الصورة
Reuters

Image caption

حاملات الطائرات تعتبر من أهم نقاط قوة الجيش الأمريكية. وفي الصورة حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس كارل فينسون” في بحر الصين الجنوبي

فقدت الولايات المتحدة تفوقها في منطقة المحيط الهادي.

فطالما تحدث الخبراء عن التحديث العسكري السريع في الصين، ووصفوها بـ “القوة الصاعدة”.

لكن مثل هذه التحليلات قد تكون قديمة. فالصين لم تعد قوة صاعدة، إذ صعدت بالفعل، وأصبحت تتحدى الولايات المتحدة في مجالات عسكرية عديدة.

وهذا ما خلص إليه تقرير جديد أصدره مركز الدراسات الأمريكية في جامعة سيدني الأسترالية.

وحذر التقرير من أن خطة الدفاع الأمريكية في منطقة المحيط الهادي والهندي “على شفا أزمة غير مسبوقة”، وأن واشنطن قد تعاني في الدفاع عن حلفائها أمام الصين.

وجاء فيه أن “الولايات المتحدة لم تعد تتمتع بالتفوق العسكري في منطقة المحيط الهادي والهندي،” وأن قدرتها على “الاحتفاظ بتوازن القوى لصالحها أصبحت محل شكوك متزايدة”.

ويشير التقرير إلى أن ترسانة الأسلحة الهائلة التي تمتلكها بكين تهدد القواعد الأساسية التي تمتلكها الولايات المتحدة وحلفائها. وأن مثل هذه القواعد “يمكن اعتبارها بلا فائدة مع بداية الضربات الجوية في الساعات الأولى لأي صراع”.

والصين ليست قوة عظمى عالمية مثل الولايات المتحدة. وثمة شكوك قوية في أن طموحها العسكري قد يصل إلى هذه الدرجة (لكن هذه الفرضية قد تتغير مع توسع الصين البطيء في شبكات الموانئ والقواعد خارج أراضيها).

وحتى الآن، يعتمد نفوذ الصين الدولي على قوتها الاقتصادية. وتفتقر الصين إلى “الرغبة في الهيمنة”، وهو الإحساس المرتبط بوجود مهمة خارجية، الذي كان وراء سعي الولايات المتحدة للهيمنة العالمية خلال القرن العشرين.

كما أن الصين تفتقر إلى أدوات القوة الناعمة كالتي تملكها الولايات المتحدة، والتي تشجع الآخرين على مشاركتها نفس القيم. فلا شيء يضاهي سراويل الجينز الزرقاء، أو هوليوود، أو البرغر.

وتشير الكثير من الشواهد إلى أن القوة العسكرية الأمريكية ما زالت أكبر من نظيرتها في بكين. فالترسانة النووية الأمريكية (وكذلك الروسية) أكبر بكثير من الصين.

كما تحتفظ الولايات المتحدة بتفوقها التكنولوجي في مجالات هامة مثل جمع المعلومات المخابراتية، وأنظمة دفاع الصواريخ الباليستية، وأحدث الطائرات الحربية. وتستند على شبكة قوية من العلاقات المتجذرة في آسيا، ومن خلال حلف شمال الأطلنطي (ناتو) في أوروبا.

وفي المقابل، لا تمتلك الصين مثل هذا النوع من نظام التحالفات. لكنها تعمل بجد على سد الفجوة التكنولوجية مع الولايات المتحدة. وما يهم الصين في كل الأحوال هو آسيا، وما تراه بلغة التوسع باحتها الخلفية (امتدادها الاستراتيجي).

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار عاملين أساسيين، هما القرب الجغرافي والتركيز، فإن ذلك يعني أنه في محيط آسيا، الصين بالفعل قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة.

وعكفت الصين على دراسة القدرات القتالية الأمريكية، وتوصلت إلى استراتيجية فعالة لمحاكاة المصادر المعتادة للقوة العسكرية الأمريكية، خاصة مجموعة الحاملات المقاتلة القوية التي تمتلكها البحرية الأمريكية، والتي تعتبر العامل الرئيي في قدرة الولايات المتحدة على إظهار القوة.

ويُشار إلى هذه الاستراتيجية في التعبيرات العسكرية باسم “منع الوصول والإبعاد عن المساحات”، وتركز الصين بمقتضاها على تطوير مجموعة من المجسات وأنظمة التسليح التي تأمل أن ترد القوات الأمريكية عن العمل قرب أراضيها لأبعد مسافة ممكنة.

وكانت هذه الاستراتيجية دفاعية في بداية الأمر. لكن المحللين يرون أن قدرات الصين في تزايد مستمر، ما يمكنها من انتهاز الفرص، والثقة في قدرتها على ردع أي رد فعل أمريكي والتعايش معه.

مصدر الصورة
Reuters

Image caption

الخبراء يرون أن الصين قادرة على مواجهة أي رد فعل أمريكي على طموحها العسكري في آسيا

وتشير الدراسة الأسترالية إلى أن الأنظمة الصينية المضادة للتدخل “تستهين بقدرة الولايات المتحدة على ممارسة القوة في منطقة المحيط الهادي والهندي، ما يزيد من خطورة أن تستخدم الصين قوة محدودة لتحقق انتصارا محدودا قبل أن تستطيع الولايات المتحدة الرد، وهو ما يهدد الضمانات الأمنية الأمريكية.”

وهدف الصين حال حدوث أزمة هو منع القوات الأمريكية من الوصول إلى منطقة “سلسلة الجزر الأولى”، وهي منطقة بحر الصين الجنوبي التي يحدها خط يبدأ من جنوب اليابان، مرورا بتايوان وغرب الفلبين.

كذلك تسعى لتحجيم الوصول إلى “سلسلة الجزر الثانية” الخارجية، عن طريق الأسلحة التي يمكنها الوصول إلى القواعد الأمريكية في جزيرة غوام. ويمكن إنجاز هذه الخطة عن طريق الأسلحة والصواريخ الصينية المتمركزة على الأرض.

وبالطبع، لا تغفل وزارة الدفاع الأمريكية مثل هذه الخطة. لكن بعد عقود من خطط الرد على الهجوم، يُعاد الآن تسليح وتشكيل الجيش الأمريكي مع تجدد صراع القوى. فأيام الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي في بؤرة هذا الصراع. واليوم، حلت الصين محله.

لكن تقرير جامعة سيدني يشكك فيما إذا كانت واشنطن تولي هذه المهمة ما تستحقه من اهتمام. وجاء فيها أن “عقلية القوة العظمي التي عفا عليها الزمن ما زالت تسيطر على مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، ومن شأنها تحجيم قدرة واشنطن على الوفاء بالالتزامات الدولية الأخرى، أو القيام بالمواءمات الاستراتيجية المطلوبة للنجاح في منطقة المحيط الهادي والهندي.”

وتضخ الأموال الآن للعمل على الأبحاث وتطوير أسلحة جديدة. لكن المهمة تظل هائلة.

“والولايات المتحدة لديها قوة هائلة لكنها ليست على ما يكفي من الجاهزية، أو التسلح، أو الاستعداد لسباق قوة كبير.” كما حذر التقرير من أن أي تراكم في أولويات التسليح المستمر “من المحتمل أنه سيفوق قدرة ميزانيتها”.

ويمثل هذا التقرير وثيقة جادة من مؤسسة مرموقة في واحدة من أكثر البلاد الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة.

ومن الواضح أن الصين تشعر بالقوة، وهو ما يمكن ملاحظته في لهجة وثيقة الدفاع البيضاء التي نشرتها مؤخرا.

وقرر الرئيس الصيني شي جينبينغ ألا يقتصر موقفه على مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحرب التجارية الدائرة، بل اتخاذ موقف أشد حزما سواء بالتعامل مع المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في هونغ كونغ، أو الموقف التاريخي المتعلق بتايوان.

ومن المستحيل وقف النمو العسكري الصيني الذي يتماشى مع نموها الاقتصادي. لكن بعض الخبراء يخشون أن سياسات ترامب زادت من صعوبة الموقف المتأزم أصلا.

ويرى الكثيرون في الولايات المتحدة أنه حان الوقت لمواجهة الطموح التجاري الصيني، لكن طريقة هذه المواجهة تثير مخاوف الكثير من الخبراء من أن واشنطن ستخسر الحرب التجارية.

وبشكل عام، غالبا ما تفتقر إدارة ترامب في سياستها الخارجية إلى منحى استراتيجي واضح، وعرضة للتخبط بسبب حساب الرئيس على تويتر، والتشتت بسبب قضايا سخيفة مثل الرغبة في شراء غرينلاند.

وعلى النقيض، تتمتع الصين ببوصلة واضحة، ولديها خطة لتوجهاتها، والوسائل التي تحقق بها أهدافها. ويبدو أنها – بفضل العزم ووضوح الأهداف – قد وصلت بالفعل.



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى