“الإنترنت الفضائي” يغير طبيعة فرص العمل في المستقبل
[ad_1]
في وقت الغداء من كل يوم يتطلع ملايين العمال في مختلف أنحاء مدينة مومباي الهندية؛ للحصول على وجبتهم المقبلة، التي تأتي لبعضهم في عبوات مُغلّفة وعلى متن دراجات، في إطار خدمة تُستخدم في هذه البقعة من العالم منذ 125 سنة، وتحمل اسم “دابوالا”.
لكن في الآونة الأخيرة، بات من المتزايد ألا يتواصل بعض العمال مع أصحاب المطاعم بشكل مباشر، وإنما يتركون الأمر كله لأحد التطبيقات التي تعمل عبر الاتصال بشبكة الإنترنت.
وتقول أنو مادغافكار، شريكة في مؤسسة “ماكنزي غلوبال إنستيتوت” وتعيش في مومباي، إن مجال تقديم الخدمة الخاصة بتوصيل الوجبات الغذائية هناك، صار واسع النطاق “فإذا دلفت مثلا إلى أحد متاجر ستاربكس، ستجد هناك خمسة من موظفي خدمة التسليم التي يقدمها تطبيق سويغي لإيصال الوجبات والمشروبات”.
ويشكل ذلك دليلا على أن ثورة رقمية تشهدها بقاع مثل هذه بالفعل في الوقت الحاضر. فالتطبيق الخاص بإيصال الوجبات إلى طالبيها في مومباي، طُوِّرَ مثلا على يد صبي في الثالثة عشرة من عمره فحسب.
وبينما أدى هذا النهج الجديد في إنجاز الأمور إلى انقسام الرأي العام في المدينة، تقول مادغافكار إن هناك الكثير من المتحمسين له هناك. فمع أن الهند تحظى منذ أمد بعيد باللبنات الأساسية للاقتصاد الحر الذي يرتبط غالبية العاملين فيه مع مؤسساتهم بتعاقدات قصيرة الأجل، فإن دخول الإنترنت إلى المشهد أجبر الشركات على أن تصبح أكثر تنظيما، وأن تقدم خدمات منتظمة بشكل أكبر.
لكن الأمر لا يخلو من مفارقة، فنطاق تغطية خدمات الإنترنت لا يزال محدودا في الهند، إلى حد أن نسبة الهنود القادرين على الاتصال بالشبكة أو اقتناء هواتف ذكية، تقل عن 25 في المئة من السكان. بل إنها تتدنى في المناطق الريفية إلى ما لا يزيد عن 14 في المئة.
ولا يختلف الوضع عما هو سائد في مناطق أخرى، تضم بين جنباتها دولا ذات اقتصاديات ناشئة؛ بدءا من دول أفريقيا جنوب الصحراء مرورا بأمريكا اللاتينية وصولا إلى غالبية بُلدان جنوب شرق آسيا.
وتفيد التقديرات بأن أكثر من نصف سكان العالم غير قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت. وعلى الرغم من أن مساحة التغطية تتزايد في المناطق التي ذُكِرَت في السطور السابقة، فإن تركيب أبراج وكوابل للاتصال بالإنترنت وتوفير خدمات الهاتف النقال لكي ينتفع بها باقي المليارات الأربعة المحرومين من الشبكة العنكبوتية، سيشكل عملية بطيئة الوتيرة إلى حد بعيد لعدة أسباب؛ ليس أقلها أن المسافات التي يتعين تغطيتها في هذا الصدد هائلة.
لكن بضع شركات تخطط في الوقت الحالي لشيء مختلف؛ يتعلق باستخدام الفضاء في نشر الإنترنت على الأرض، وهو ما يطلق عليه البعض اسم “الإنترنت الفضائي”.
- ما هي أكثر دولة في العالم مرونة في قواعد العمل؟
- لماذا يشعر السويديون بالتعب رغم “رفاهية” العمل والمعيشة؟
خطط واسعة النطاق لربط أكثر من نصف العالم بالإنترنت
الأمر هنا يتعلق بهدف يبدو مذهلا، يتمثل في إطلاق آلاف – وربما عشرات الآلاف – من الأقمار الاصطناعية الصغيرة لتدور في مدار منخفض حول الأرض، لبث خدمة الإنترنت لكل القاطنين في مختلف بقاع المعمورة. إحدى الشركات التي تخطط لذلك، تحمل اسم “وان ويب”، وقد أطلقت أول ستة أقمار تابعة لها في إطار المشروع في فبراير/شباط الماضي. وتسعى لأن تبث إشارة إنترنت محمولة، يمكن لأي شخص في أي مكان استقبالها عبر هاتفه الذكي.
على الدرب نفسه، تسير شركة “سبيس إكس” المملوكة لرجل الأعمال المعروف إيلون ماسك، إذ تعتزم إطلاق مجموعة من الأقمار الاصطناعية المُوفرة لخدمات الإنترنت، جنبا إلى جنب مع شركة “أمازون”.
وربما يقود ذلك في نهاية المطاف، إلى أن تصبح لدينا أكثر من شبكة أقمار اصطناعية تتنافس مع بعضها بعضا لتقديم خدمات الإنترنت عريض النطاق في شتى أنحاء الأرض، ما قد يؤثر على فرص العمل المتوافرة في العالم بشكل مذهل.
ويقول كريستوفر نيومان، أستاذ سياسات وقانون الفضاء في جامعة نورث أمبريا البريطانية، إن شركة “وان ويب” تسعى لـ “إطلاق نحو 1900 قمر اصطناعي، بينما قد تُطلِق شركة `سبيس إكس` قرابة 12 ألف قمر”. وتشكل هذه الأرقام زيادة هائلة في عدد الأقمار الاصطناعية ذات الأغراض التجارية التي تدور حول الأرض، والتي لا يزيد عددها عن ألفين في الوقت الحالي.
تعقيبا على ذلك يقول نيومان: “إننا نتحدث عن اضطراب حقيقي سيلحق ببيئة الفضاء”. ويضيف أنه يتعين التعامل بقدر من الواقعية مع الأمر، نظرا إلى أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت مجموعات الأقمار هذه، ستكون فعالة بالقياس إلى الأموال التي ستُنفق عليها لإطلاقها وتشغيلها من عدمه.
كما أننا لا نعلم حتى الآن، ما إذا كان نشر هذه الأقمار في الفضاء، سيؤدي إلى جعله مكتظا بالنفايات الفضائية بشكل مفرط ما يلوث بيئة المدار الواقع حول الأرض، أم لا. لكن الرجل يستدرك قائلا إن إطلاق كل تلك الأقمار بشكل فعلي وتشغيلها، سيغير سوق العمل على الأرض على نحو جذري.
كيف سيؤثر توسيع نطاق خدمات الإنترنت على سوق العمل
تقول مادغافكار إن ما يحدث في الهند يشكل مؤشرا مبكرا، على الكيفية التي يمكن أن تتغير بها اقتصاديات الدول الأخرى، إذا ما وصلت خدمة الاتصال بالإنترنت إلى كل ركن في العالم. فغالبية العمال الهنود – كما توضح – ينخرطون في وظائف؛ إما غير رسمية أو يعملون فيها لحسابهم الخاص، وهي تلك التي يُطلق عليها اسم “المشروعات متناهية الصغر”. وثمة إمكانية لأن يتم تنظيم هذه الأنشطة من خلال التطبيقات، كما يحدث مع خدمة توصيل الوجبات الغذائية حاليا.
بجانب ذلك، هناك ما يبرهن على أن توفير خدمة الإنترنت فائق السرعة وانتشارها بشكل كاف في مختلف أنحاء العالم، يمكن أن يزيد إنتاجية المرء، ويُحْدِثُ تحولات في الاقتصاديات المحلية. ففي الهند مثلا، زادت أرباح المزارعين والصيادين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة للتعرف على أسعار المنتجات وأحوال الطقس، بنسبة ثمانية في المئة مقارنة بأقرانهم ممن لا يفعلون ذلك.
علاوة على ذلك، ثمة تأثيرات أخرى يصعب التنبؤ بها، لمثل هذه التغيرات والتطورات. فقد أوضح تقرير أعدته مؤسسة “ماكنزي” أن المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة المملوكة لنساء في إندونيسيا تُدر نحو 35 في المئة من عائدات البلاد من التجارة الإلكترونية. أما المشروعات المماثلة في الحجم والمملوكة لنسوة كذلك من تلك التي لا تعتمد على الإنترنت، فلا يزيد إسهامها في العائدات عن 15 في المئة تقريبا.
وبرأي مادغافكار؛ ستفضي زيادة حجم الاتصال بالإنترنت إلى توفير فرص أكبر لمن يقومون بأعمالهم عن بُعد. فبوسع موظفي المصارف – مثلا في هذه الحالة – تقديم خدماتهم للعملاء عبر الهاتف المحمول. كما يمكن إجراء تدريبات عن بعد، لمن يعملون في مجال تقديم الخدمات للعملاء أو من يضطلعون بأدوار استشارية، ويمكن لهؤلاء أيضا القيام بجانب كبير من العمل الفعلي من على بعد كذلك. ومع توفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، يمكن أن يشهد عدد من يتقدمون للعمل في مثل هذه الوظائف قفزة هائلة.
في الوقت نفسه يمكن أن يزداد كذلك – وبشكل هائل – عدد المستفيدين من منصات الأعمال الحرة على شبكة الإنترنت، وهي تلك التي تتيح لأرباب الأعمال التواصل مع العمال المستقلين لتنسيق التعاون معهم عن بعد.
وفي عام 2015، ناقشت ورقة بحثية كيفية استخدام مثل هذه المنصات من جانب من يعملون عبر الإنترنت في جنوب شرق آسيا. وساقت الدراسة في هذا الإطار نموذجا لسيدة فلبينية تُدعى إيمي، لها خمسة أشقاء وهي العائل الرئيسي لأسرتها. فبعد أن كانت هذه السيدة تعمل في مركز للاتصالات، غيرت مسارها المهني إلى العمل مساعدةً شخصية عن بُعد لسيدة أمريكية تبيع الأعمال الفنية على موقع “إتسي”. ويدر العمل الحالي على إيمي ضعف ما كانت تحصل عليه في عملها السابق.
وفي القريب، لن تمثل التكنولوجيا العقبة الكبرى التي تواجه مثل هذه التحولات، وإنما سيتمثل ذلك في مشكلة أقدم أمدا وهي الافتقار إلى التعليم. فبالرغم من أن معدلات من يعرفون القراءة والكتابة في الهند – على سبيل المثال – قد شهدت تحسنا طفيفا مؤخرا، فلا يزال ربع السكان هناك غير قادرين، لا على معرفة هذه أو تلك. المشكلة نفسها قائمة في كثير من الدول الأخرى، وهو ما يعني أن توفير خدمات الإنترنت – لأولئك القادرين على تحمل تكاليف الحصول عليها – لن يوفر حلا لشيء في ضوء تفشي الأمية بهذا القدر.
تَجَنب السلبيات
بطبيعة الحال، ثمة جانب مظلم للأعمال والوظائف التي تنشأ، بفضل وجود خدمة الاتصال بالإنترنت. فبجانب المخاوف الناجمة عن إمكانية أن تؤدي منصات مثل “أوبر” و”دليفرو” إلى الإضرار بالعمال التقليديين، هناك فئات جديدة الآن من الوظائف، التي ظهرت بفضل هذه التكنولوجيا، وتبدو بالنسبة للكثيرين متدنية الشأن وتسبب بلادة في الذهن لمن ينخرطون فيها.
وقد زار مارك غرايام، أستاذ جغرافيا الإنترنت في معهد أكسفورد للإنترنت، مباني إدارية ضخمة في أفريقيا، يجلس فيها العاملون على مكاتب للقيام بمهام مثل هذه، لساعات طويلة ومتتالية. وقد أصيب بالصدمة من حجم النشاط الجاري في هذا الصدد، قائلا إنه وجد “مئات من الأشخاص يركزون باهتمام شديد وجدية على شاشاتهم” للقيام بمثل هذه الوظائف، دون أن يغفل الإشارة إلى أن هناك “منافسة ضارية على هذه الأصعدة”، إذ تبين أن عدد من يرغبون في أداء أعمال مثل هذه يفوق كثيرا حجم ما هو متوافر منها.
ويعني ذلك أن قدرة عدد أكبر من الناس على الاتصال بخدمات الإنترنت بفضل “الإنترنت الفضائي” مثلا، سيجعل المنافسة في هذا الصدد تزداد ضراوة.
ويقول غرايام إن هذا الأمر يؤدي إلى تقليص فرص المرء في الحصول على أجر مجزٍ، بالنظر إلى أن هناك “شخصا ما على الجانب الآخر من الكوكب، يستطيع أداء الوظيفة نفسها بأجر أقل كثيرا”.
لكن الرجل يشير إلى أن الصورة ليست قاتمة تماما، فتوسيع نطاق خدمات الإنترنت، لن يؤدي فقط إلى شيوع مثل هذه الوظائف متواضعة الأهمية في الدول ذات الاقتصاديات الناشئة، وإنما سيوفر كذلك لمواطني هذه البُلدان، فرصا للعمل في مجالات البرمجة والتصميم وتطوير الشبكة العنكبوتية.
ويثير ذلك سؤالا، حول ما إذا كان سيتعين علينا أن نقاتل في المستقبل، للاحتفاظ بوظائفنا، حال أصبحنا بالفعل جزءا من بيئة عمل عالمية متصلة ببعضها بعضا عبر الإنترنت بكل معنى الكلمة أم لا؟
للإنصاف يمكن القول إن عملية “التعهيد” – أي إسناد العمل إلى أشخاص أو مؤسسات من خارج الشركة أو المؤسسة – غير ممكن بالنسبة لكل الوظائف. فهناك تاريخ طويل، للشركات التي فشلت في إسناد مهام خاصة بها إلى عمال في دول أخرى يتقاضون أجورا أقل.
لكن إذا أصبح “التعهيد” أكثر يسرا وأقل تكلفة بفضل التكنولوجيا، فسيؤثر هذا بالطبع قريبا على عمال لم يكونوا قط من قبل مهددين بذلك. وقد يترتب على هذا الأمر بالتبعية اندلاع سباق على مستوى العالم، نحو منح أجور زهيدة للغاية للعمال وعدم الاهتمام بالظروف التي يعملون في ظلها كذلك.
ويعلق غرايام على ذلك بالقول: “أعتقد أنه يتعين علينا جميعا، أن نكون حريصين على ألا يؤدي أي تحول في بيئة العمل أو أي إعادة تنظيم لها، إلى تآكل جوهري في الحقوق التي نحظى بها كعاملين، أو إلى الإضرار بنوعية الوظائف التي نؤديها”.
ورغم أننا لا نزال – بحسب خبراء – على بعد نحو خمس إلى عشر سنوات، من أن نشهد بدء تشغيل أي من شبكات الأقمار الاصطناعية هذه، فإن تلك السنوات لا تبدو طويلة للغاية، بالنسبة للمسيرة المهنية لأيٍ منّا.
وهكذا، فبينما لا يزال من الممكن أن يؤدي توفير خدمات الاتصال الفائق والسريع بشبكة الإنترنت إلى توفير فرص أفضل لقوة العمل في بلد ما مقارنة بنظيرتها في دولة أخرى، فإن هذا الوضع ربما لن يستمر إلى الأبد.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife
[ad_2]
Source link