لماذا تعامل النساء “كباقة ورد” في مرحلة المفاوضات؟
[ad_1]
كل أعضاء الفريقين المتفاوضيَن على مستقبل السودان، سواء كانوا من المدنيين أو العسكريين، هم من الرجال، ولكن مع استثناء وحيد.
برز اسم ميرفت حمد النيل كناشطة في الاحتجاجات التي اندلعت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، ومنذ نحو خمسة أشهر أصبحت هي المرأة الوحيدة ضمن الوفد المفاوِض بعد أن رشحتها كتلة تجمع القوى المدنية لتكون ضمن فريق ائتلاف المعارضة للتفاوض مع المجلس العسكري على نقاط الخلاف. وتؤكد ميرفت على رؤية فريقها: مدنية الدولة، والرئاسة الدورية.
وكانت كتلة أخرى معارضة قد رشحت مريم الصادق كمفاوِضة، لكنها عدلت عن ذلك واستبدلتها برجل، كما توضح ذلك ميرفت.
تخرجت الشابة ذات الـ 35 عاما من جامعة الخرطوم بتخصص كومبيوتر، وتقول إن فكرة المشاركة السياسية بالنسبة لها نضجت أثناء سنوات الجامعة، كما أن مكان نشأتها في المسلمية بولاية الجزيرة أسهم في تشكيل وعيها السياسي.
وبدأت المشاركة في جلسات المفاوضات قبل عدة أشهر، وتتذكر كيف أن عددا من زملائها كان يتعمّد مخالفتها الرأي في البداية في مواقف كثيرة، قبل أن يتعاملوا معها بجدية ويستمعوا لها، كما تتذكر “حملة شنّها إسلاميون” ضد وجودها في فريق التفاوض، مشككين بكفاءتها.
“لماذا لم يُسأل أي رجل عن كفاءته في التفاوض؟ بالنسبة لي، أنا قادرة أثناء جلسات التفاوض على الصراع من أجل إيصال الرأي المتفق عليه مع فريقي”، تقول لي عبر الهاتف وهي على وشك أن تشارك في اجتماع جديد.
وخلال السنوات السابقة تكرر كثيرا سؤال: “لماذا تغيب النساء عن طاولات التفاوض؟” فبعد أن شاركت المرأة بفعالية في حركات الاحتجاج الشعبية، وبعد أن خسرت الكثير في حروب مستعرة منذ سنين، وجدت نفسها مبعدة عن المفاوضات. قد يكون الوضع السياسي في بلاد مثل ليبيا واليمن وسوريا معقدا جدا، لكن الجواب على سؤال الغياب ليس بذلك التعقيد.
اليوم يعاد سيناريو استبعاد المرأة ذاته، ويطرح السؤال في السودان: لماذا اقتصرت المشاركة في مناقشة قضايا تتعلق بمستقبل البلد على امرأة واحدة بعد دورهن الجوهري طوال أشهر الاحتجاجات وخلال السنين السابقة؟
النساء.. “باقة ورد”
تتذكر المحامية الليبية، أميمة باوي، أن جدلا ثار بين الأطراف الليبية بخصوص عضوية المجلس الرئاسي قبل نحو ساعات قليلة من توقيع اتفاق الصخيرات عام 2015 “إرضاء للجهوية وللمناطقية استبعدت النساء كي يستكمل توقيع الاتفاق”، تقول المحامية عبر الهاتف. “تنازلت المرأة لأن المهم بالنسبة لنا كنساء كان توقيع الاتفاق لنبدأ مرحلة جديدة انتقالية”.
وفي المفاوضات الليبية الرسمية الوحيدة التي عقدت في المغرب لم تكن مشاركة المرأة جادة، كما تقول أميمة التي شاركت في تلك الجلسات برعاية الأمم المتحدة.
لدى أميمة ملاحظات كثيرة على آلية المفاوضات تلك منها تقسيم الحوار إلى مسارات منفصلة (كمسار المرأة ومسار البلديات، وغير ذلك)، كما أن امرأتين فقط شاركتا في المفاوضات، في حين أن أحزابا ليبية لم يكن لها وجود داخل البلاد جرى تمثيلها. كما أنه لم يتم اطلاعهن بنحو دائم على آخر المواضيع التي كانت تناقش.
“كنا نعامل كباقة ورد، لم نكن ندا لند”، تقول أميمة: “قلت لممثل الأمم المتحدة ‘طالما أن المفاوضات برعايتكم، لماذا تُستبعد النساء؟’ لم يرد يومها”.
بعد ثورة 17 فبراير/شباط 2011 انتشر السلاح في ليبيا وزادت معدلات جرائم القتل ومطالبات القصاص من عائلات القتلى (أولياء الدم) ووصل الأمر أحيانا إلى تهجير عائلات الجناة وتعطيل أعمالهم وأرزاقهم لذا انتشرت حركة تفاوض مع شيوخ ورجال القبائل ولعب محامون – ومن بينهم أميمة وغيرها – دورا في الصلح.
“نحن موجودات في فض النزاعات بين القبائل بهدف الصلح، لماذا لا نشارك على المستوى الرسمي؟ هذه أنانية من جانب الرجال”، تعلق أميمة.
ورغم اختلاف السياقات وطبيعة الصراع في كل بلد، يبدو أن التشابه يكون في إبعاد النساء عن صنع القرار.
تقول السودانية، ميرفت حمد النيل، إن وجود امرأة واحدة مفاوِضة “لا يشبه مشاركة النساء السودانيات ولا يشبه قدرات النساء” في العمل العام طوال السنوات السابقة التي تراكمت وأنتجت حراك ديسمبر 2018، وترى أنه يتوجب على المرأة خوض الصراع أكثر داخل الكتل للعمل على ألا يبقين فقط “صانعات ثورة” بل لأن يصلن إلى مواقع صنع القرار.
“ليس فقط لأن هذا حق للمرأة، بل لأن اتخاذ القرار سيكون أقوى لو كانت فيه خبرات النساء. أعرف جيدا هذه الخبرات من خلال عملي مع مؤسسات نسائية ونسوية”.
“استخفاف”
لدى رضية المتوكل، وهي حقوقية يمنية ومؤسسة لمنظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان، رأي مختلف بخصوص مشاركة المرأة بالمفاوضات.
فرغم أهمية المشاركة بالنسبة لها إلا أنها ترى أن المرأة في اليمن “لا تملك القرار على الأرض”. فهي ترى أن تمكين المرأة على الأرض عبر مؤسسات المجتمع المدني هو ما يستحق الدعم الأكبر.
وتقول في حديث هاتفي أثناء وجودها في الأردن: “لو وصلت امرأة إلى قيادة حزب فستجلس بشكل طبيعي على طاولة المفاوضات، ولو كانت موجودة بقوة ضمن المجتمع المدني فستفرض نفسها بقوة”، وتذكر القيادية في الحزب الناصري، رنا غانم، والتي شاركت في جولة مفاوضات، كمثال على ذلك.
لذا فهي تنتقد ما تسميه “الدوشة الشكلية” على حق المرأة في الوجود على الطاولة في حين لا يوجد ضغط حقيقي لحماية مجال العمل المدني الذي ينكمش في اليمن، وهذا المجال – برأيها – هو الذي يضمن دورا أكبر للمرأة على الأرض.
كما تنتقد عدم وجود رؤية واضحة لأوضاع المرأة اليمنية، وفي الوقت ذاته ترفض حصر دور المرأة في طاولة المفاوضات بالحديث فقط عن قضايا النساء .
الرجل يعد نفسه مسؤولا عن كل المواطنين وعن تحديد شكل الحكم وغير ذلك. لكن هناك استخفاف بدور المرأة عندما تكون على الطاول
وتضيف رضية: “عند دعوة نساء لمشاركات دولية تتعلق بالمفاوضات وبناء السلام يكون المسؤول الأممي مبرمجا لأن يسمع من النساء شكوى عن عدم وجودهن في طاولة المفاوضات، وربما عن معاناتهن كنساء، ولكن ليس عن واقع البلد وعن الحلول السياسية للأزمة بشكل عام”.
حتى أنها لا تمانع أن يهيمن على طاولة المفاوضات رجال لحل الازمة “فهم من تسبب بالحرب”.
تختلف المحامية الليبية أميمة مع وجهة النظر هذه فهي ترى أن بعض أطراف النزاع قد يكون متورطا جنائيا “فهل من مصلحته الوصول إلى حل؟ هل من مصلحته أن يسود العدل؟ هل من مصلحته الذهاب إلى مرحلة إعادة بناء دولة؟”
وتضيف أميمة: “صحيح أننا كنا أثناء المفاوضات خلف الكواليس، كنا ندرك أننا مجرد إضافة، باقة ورد، لكن المهم أننا وجدنا هناك. لم يستطع أحد تغييبنا”.
[ad_2]
Source link