إيطالي يكتشف “عالما قديما” تحت مطعمه بمحض الصدفة
[ad_1]
لم يكن يتبقى سوى يومين على الثامن من يونيو/حزيران 2019، موعد افتتاح مطعم “كو فاديس”، ببلدة ليتشى بإقليم بوليا جنوب شرقي إيطاليا. وقد ظل صاحب المطعم، لوتشيانو فاجيانو، يحلم بهذه اللحظة لعقدين من الزمان تقريبا! وقال فاجيانو: “أخيرا أشعر بالسعادة”، وهي الكلمات التي ترجمها لي ابنه، أندريا، من اللغة الإيطالية.
ولد لوتشيانو لعائلة من المزارعين وكان يساعد عمه في مطعمه وهو صبي، وهو ما جعله يعشق الطعام. وحين بلغ السابعة عشرة من عمره، عمل بمطعم “كو فاديس” التاريخي في العاصمة البريطانية لندن قبل أن يتمكن من افتتاح مطعمه الخاص الذي أطلق عليه اسم “موبي ديك” ببلدة توري ديلورسو، التي تبعد نحو 30 كيلومترا جنوب شرقي ليتشى. وحين أغلق مطعمه أبوابه عام 1987 قرر أن يترك عالم المطاعم للتركيز على الاستثمار في العقارات وتأجير السكن.
لكن شاء القدر عام 2000 أن يشتكي المستأجرون من الرطوبة بالطابق الأرضي ببنايته، واعتزم لوتشيانو حل المشكلة وتحويل المكان إلى مطعم صغير فور انتهاء مدة عقد مستأجري المكان، إذ كانت السياحة قد بدأت تنتعش في المنطقة. وحين حفر العمال في الأرض لتغيير مواسير الصرف وجدوا التاريخ يفتح أمامهم إحدى صفحاته التي طالما أبقاها طي الكتمان.
- اللغز الأثري الذي “يهدد بقاء العاصمة البريطانية لندن”
- ماذا سيحدث لو اختفت الأسلحة النارية من العالم؟
وبعد حفر استمر ثمان سنوات اكتشف لوتشيانو وأبناؤه، أندريا وماركو ودافيد، عالما خفيا يعود للقرن الخامس قبل الميلاد.
يقول أندريا: “وجدنا الكثير من الأشياء – خمسة آلاف قطعة أثرية تحديدا – عملات وخاتم ذهبي لأحد الأساقفة مرصع بثلاثة وثلاثين حجرا من الزمرد، فضلا عن قطع من الفخار وأطباق خزفية، وألعاب للأطفال صنعت من الطين، وتماثيل، ناهيك عن سرداب يؤدي إلى المسرح الروماني القديم”.
ويسلط هذا الاكتشاف الضوء على حياة سكان المنطقة القدامى عبر حقب زمنية مختلفة، بدءا من عهد الإمبراطورية الرومانية ومرورا بالعصور الوسطى وعصر النهضة، فيما تعود بعض القطع الأقدم إلى زمن قبيلة الميسابي التي عاش أبناؤها في منطقة سالينتو قديما.
وبينما اضطلعت أسرة فاجيانو بكافة أعمال الحفر، أشرفت دوتوريسا تانزالا، وهي عالمة الآثار التي أوكلتها الحكومة، على عملية التنقيب، إذ أن القانون الإيطالي يعطي ملكية أي اكتشاف تحت الأرض للحكومة بغض النظر عن المالك للأرض.
ولذا يقول أندريا إن آلاف القطع الأثرية أودعت في مخازن متحف سيجيزموندو كاستروميديانو بالمدينة وقلعة ليتشى المعروفة بقلعة شارل الخامس. لكن تمكنت عائلة فاجيانو من استعارة بعض القطع. وبينما كانت الخطة الأصلية تهدف إلى فتح مطعم بالبناية في 56 شارع أسكانيو غراندي ما إن يرحل المستأجرون، فتحت الأسرة عام 2008 متحفا مستقلا مكونا من أربعة طوابق فوق موقع التنقيب.
وخلال زيارة قمت بها لليتشى مؤخرا، قال أندريا مبتسما: “ذهبت للندن لدراسة اللغات والآن أدير أنا وأخي متحفا!”
لقد عشقتُ سحر البلدة القديمة، وهي بمثابة كنز في سالينتو الواقعة بالجزء الجنوبي من إقليم بوليا أقصى جنوب شبه الجزيرة الإيطالية، وكذلك المتحف الأخاذ الواقع أعلى مسرح التنقيب.
وقد هالني ما رأيت، وخاصة خزان المياه الذي يتخذ شكل ناقوس محفور في الصخر، والذي استخدم لاحقا كنفق للهروب، فضلا عن مدفن ضم رفات أشخاص عدة وعثر فيه لاحقا على قطع من بينها خاتم يعود لأسقف يسوعي.
ويمكن للمتجول في المتحف أن يرى عبر زجاج بلاستيكي شفاف فتحة بئر بعمق ثمانية أمتار ووصفا كتب فيه أن المياه “تنساب باستمرار من نهر إدومي الجوفي تحت ليتشى لتصب في البحر عند توري كيانكا على مسافة 12 كيلومترا من ليتشى”.
وتمثل إحدى غرف المتحف ما تبقى من كنيسة صغيرة قديمة حين استخدم المبنى كدير ما بين عامي 1200 و1609، وعلى مذبحها الحجري نقوش نباتية تمثل دورة الحياة. ويعود سقف الطابق الأول إلى القرن السادس عشر، وهو مصنوع من حجر مسامي على شكل صليب ونحو 600 جرة اسطوانية من الفخار المستخدم بحسب الوصف لعزل الحرارة وجعل السقف أخف وزنا.
ولم أكن أتوقع أن ألتقي بالأسرة المسؤولة عن المتحف. وقد لمعت عيون لوتشيانو وأندريا حين تطرق الحديث إلى حلم المطعم الذي تمكن لوتشيانو من تحقيقه بحيازة البناية المجاورة في 58 أسكانيو غراندي.
وقال أندريا: “يتمنى أبي أن يزور الناس المتحف ثم المطعم لتكون خدمة متكاملة، فالناس بحاجة لهذا وذاك”.
لكن لوتشيانو قاوم فكرة التنقيب تحت المطعم، ويقول أندريا عن ذلك: “لا شك أن هناك آثارا أسفله لأنه بجوار موقع التنقيب”.
وأطلق لوتشيانو على المطعم اسم “كو فاديس” على اسم المطعم الشهير بلندن والذي عمل فيه من قبل، وكذلك على اسم فيلم أمريكي أنتج عام 1951 يحكي عن حكم الإمبراطور نيرون. وتعني “كو فاديس” باللغة اللاتينية “إلى أين تذهب؟”، وهو الاسم المناسب لأحلام لوتشيانو العريضة لبنايتيه، إذ يأمل أن تصطبغ على مطعمه المطل على التنقيب أجواء قديمة تشبه المتحف عبر تقديم أطعمة تستقي جذور بلدة ليتشى.
ويقول لوتشيانو: “كل الأشياء مرتبطة ببعضها البعض، فالطعام جزء من الثقافة، وكافة المتاحف تستعرض التاريخ، لكن الطعام أيضا له تاريخه. وأريد أن يتعرف الناس على طعام المنطقة”.
وتتضمن قائمة الطعام المقدم منتجات عالية الجودة تشتهر بها منطقة سالينتو، فضلا عن أطباق أسبوعية وأخرى موسمية، ومنها طبق من المعكرونة المحلية بإضافة الحمص والمعكرونة المقلية، وكذلك الخبز الأسمر المخبوز في فرن خاص والمضاف إليه البندورة الطازجة ونبات الكبر والريحان والجرجير وزيت الزيتون.
أما الحلوى فمصنوعة من السفرجل والسكر والمعجنات والكريمة، فضلا عن النبيذ المحلي والجعة وقهوة الكابتشينو والعصائر والمشروبات، إلى جانب الأطباق الإيطالية المألوفة بالباذنجان واللحم وجبن الموتزريلا.
وتقدم أيضا “أطعمة الشارع الشائعة في سالينتو” مثل معجنات ليتشى المحشوة بجبن الموتزريلا وصلصة البندورة والصلصة البيضاء والفلفل الأسود، ورغيف الكالزوني المحشو والبيتولا من العجين المقلي بالزيتون الأسود والبندورة.
يقول لوتشيانو: “آن الأوان للعودة لتناول الطعام الذي تجود به أرضنا، دون كيماويات أو مبيدات وسموم، بل من بساطة الطبيعة فحسب”.
ويمكن للزبائن الاستمتاع بالطعام الذيذ والبساطة داخل المطعم أو في باحته الخارجية، بينما يرحب بهم أفراد عائلة فاجيانو كما لو كانوا “من أهل الدار”. وفي الواقع، فالإدارة المزدوجة للمطعم والمتحف تجري في إطار الأسرة.
ويعمل أندريا وماركو بالمتحف، وكذلك أمهما، آنا ماريا، التي تصنع بنفسها الأوركيتا من أولها إلى آخرها، وابن العم أنطونيو، وهو النادل الرئيسي بمطعم “كو فاديس”. أما دافيد، الأخ الأصغر، فيعمل في مقهى أستوريا الواقع على مسافة دقيقتي مشي، والذي واشتراه لوتشيانو عام 2009 واستفاد بريعه لتمويل المتحف حتى بدأ المتحف التكفل بنفقاته.
ورغم الاحتفال بافتتاح المطعم الذي طال انتظاره برفقة الأسرة والأصدقاء، لم تنته طموحات لوتشيانو، إذ يريد بدء مشروع آخر يربط الناس بأرضهم ويستوحي من طفولته التي قضاها في الزراعة.
يقول أندريا: “سيكون المشروع القادم على هيئة حديقة، إذ يملك أبي أرضا على مسافة 12 كيلومترا من ليتشى وهي مزروعة بنباتات برية أصيلة.
ويأمل أفراد عائلة فاجيانو مشاركة أجيال من سكان المنطقة ومن السائحين عبر مد أواصر قوية بتلك الأرض القديمة، سواء عبر المتحف أو المطعم أو الحديقة. وهي فكرة ترتبط بدورها بأثر بعينه عثروا عليه.
يقول أندريا: “وجدنا حجرا كتب عليه باللغة اللاتينية: إن كان الله معنا فمن علينا! وجدنا نصفه خلال التنقيب، ولذا نسعى أن نعمل وفق هذه المقولة، فمن يفعل الخير في الدنيا لا يخشى شيئا، بل سيبلغ حتما مراده إن طال أجله أو قصر”.
وأخيرا كيف يشعر لوتشيانو صاحب “كو فاديس” بافتتاح مطعمه بعد طول انتظار؟!
يقول لوتشيانو: “أشعر بالراحة! أو كما يقول اليونانيون: لكل شيء بداية ونهاية، ومن جد وجد”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel
[ad_2]
Source link