تلفزيون”المستقبل” اللبناني: أزمة محطة أم أزمة الحريري؟
[ad_1]
ليس من السهل أن يكون رب عملك وخصمك هو رئيس وزراء. “دخيلك نحن مش قدو”، هكذا كان موقف معظم موظفي تلفزيون “المستقبل” الذين تواصلنا معهم للحديث عن إضرابهم المستمر منذ نهاية الشهر الماضي.
لا يريد الكثيرون منهم الحديث للإعلام، إما حرصاً على أي إمكانية لتحصيل حقوقهم مستقبلا، أو التزاما بنصيحة محام أو حتى وفاء لمحطة شكلَت بالنسبة لبعض العاملين فيها، أكثر من مجرَد وظيفة، بل قضية سياسية.
يقول أحد الموظفين: “حتى هؤلاء الملتزمون سياسيا الذين رفضوا في السابق مجاراة باقي الموظفين في أي عمل تصعيدي، انضموا إلينا اليوم” وأضاف: “باتت الأمور صعبة للغاية على الجميع ولذلك هناك اليوم التزام كامل بهذا الإضراب”.
بدأت أزمة تلفزيون المستقبل منذ نحو خمس سنوات عندما باتت الإدارة تتأخر في دفع أجور الموظفين، ثم توقفت كليا عن الدفع لأشهر عديدة، لتعود وتدفع نصف الأجور وتعد بإيجاد حلول للمشاكل المادية التي تواجه المحطة، لم يتحقق شيء أبداً.
أًجبر كثيرون على البحث عن وظائف أخرى أو التفاوض مع المصارف لإعادة جدولة ديونهم، وبعضهم اضطروا لبيع أثاثهم، حسب ما أخبرنا عاملون في القناة.
وحول تأثير هذه الأزمة على العاملين في المحطة، أوضح أحد الصحفيين: “كلَفت هذه الأزمة العديد من الزملاء زواجهم. فهناك انفصالات عديدة حدثت بسبب الضائقة المالية”.
انتظر الموظفون حتى نهاية الشهر الماضي وعندما لم تُدفع أجورهم، قرروا الاضراب. في 30 يوليو /تموز توقف الموظفون عن تحضير وتقديم نشرات الأخبار ومن ثم لحق بهم قسم البرامج، فباتت المحطة تعتمد في ساعات بثها كلها على الإعادات والبرامج القديمة.
“في اليوم الذي توقفنا فيه عن الهواء، كنّا مقهورين جداً ولكننا تفاجأنا أن الإدارة لم تكترث أبدا” حسب وصف أحد الصحفيين.
وتوقع الموظفون أن تستدعيهم الإدارة أو تتحاور معهم، لكنَ شيئاً من ذلك لم يحدث، بحسب ما أخبرونا. انتظر البعض صدور بيان أو إعلان يكشف خطة الإدارة للتعامل مع الأزمة، وحتى ذلك لم يحدث بعد.
من رفيق إلى سعد
تأسست قناة المستقبل عام ١٩٩٣ بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتزامناً مع تولي رفيق الحريري رئاسة الحكومة، حاملاً معه مشاريع إعادة الاعمار والنهوض بالبلاد. وكان يريد تأسيس محطة تترجم نظرته للبنان الذي تولى إعادة بنائه.
“صحيح أنه كان يمتلك إمكانيات مالية كبيرة وكانت لديه علاقات جيدة مع كل الاعلام وكان قادراً على التأثير عليه، ولكنه أراد محطة له تقدم مشاريعه ورؤيته” حسب قول الاعلامية نجاة شرف الدين التي كانت من بين فريق المؤسسين للمحطة وأحد أبرز وجوهها.
وبسرعة أثبتت “المستقبل” نفسها بين المحطات اللبنانية ونجحت في خلق هوية خاصة بها وصورة مميزة لها، وباتت تحمل شعارات الحريري مثل: “المسقبل إلك” و”البلد ماشي”.
لكن كل شيء تغيّر بعد مقتل الحريري عام ٢٠٠٥. وانقسمت البلاد سياسياً وطائفياً و”ضاعت هوية القناة وباتت تواجه صعوبة في المحافظة على المستوى الذي كانت عليه أيام الحريري الأب” حسب شرف الدين.
وأضافت: “التلفزيون بحاجة إلى قوة دفع سياسية ومالية ورؤية وهذا كله اختل. ربما لم تعد هناك اليوم حاجة قوية لتلفزيون المستقبل بعد أن تراجعت حالة التجييش السياسي مع تراجع قوة فريق ما كان يُعرف بالرابع عشر من آذار الذي شكّل رأس حربة المعارضة ضد سوريا وحزب الله بعد اغتيال الحريري الأب. وبالتالي، قد يكون تلفزيون المستقبل تحوّل إلى عبء على الحريري الابن”.
لا شك أن أبرز وجوه الاختلال كان ذلك المتعلق بالجانب المالي والذي عكس أزمة مادية وسياسية للحريري وهي مرتبطة إلى حد بعيد بتراجع علاقاته مع العربية السعودية.
الحكم على أمير سعودي بالسجن في لبنان لتجريمه بتهريب المخدرات
فتلفزيون المستقبل كغيره من العديد من المحطات التلفزيونية اعتمد بشكل أساسي على المال السياسي، وبالدرجة الأولى المال السعودي. وبالتالي قد تكون أزمة التلفزيون ليس سوى حلقة في سلسلة أزمات تمر بها مؤسسات الحريري نتيجة تراجع الدعم السعودي له، من صحيفة “المستقبل” التي أُقفلت نسختها الورقية إلى مؤسسة “سعودي أوجيه للبناء” التي شكلت أساس الإمبراطورية المالية للحريري وتم تصفيتها، واليوم تلفزيون “المستقبل” الذي يمر بأسوأ أزماته المالية.
إعلام المال السياسي
قد تكون أزمة تلفزيون المستقبل هي الأبرز في المشهد الإعلامي ولكنها بالتأكيد ليست الوحيدة. فقد شهد لبنان في الآونة الأخيرة إقفال عدد من الصحف مثل صحيفة “السفير”، بينما توقف صدور النسخة الورقية من صحيفة “المستقبل” في نهاية العام الماضي. كما أقفلت صحيفة “الحياة” مكتبها الرئيسي في بيروت، وصرفت صحيفة “النهار” عدداً كبيراً من موظفيها، وغيرها من المشاكل التي تواجه عدداً من وسائل الإعلام التقليدية.
تعكس كل هذه الأزمات مشكلة أساسية مرتبطة بمنظومة الاعلام في لبنان القائم على المال السياسي.
فحسب أيمن مهنا، مدير مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية “سكايز”، إن “النموذج الاقتصادي للإعلام اللبناني غير مبني على المبيعات أو الإعلانات بل على الدعم المالي السياسي المباشر من رجال أعمال أو قوى سياسية ومالية أو دول. هذا النموذج يمر اليوم بأزمة لأن الدول التي كانت تدعمه لم تعد تقوم بذلك بنفس الزخم. ويتبدى ذلك بشكل واضح في أزمة تلفزيون المستقبل لارتباطه المباشر بالرئيس الحريري وبالأزمة المالية التي يمر بها مع المملكة العربية السعودية”.
الحريري عن تصنيف بريطانيا لحزب الله منظمة إرهابية: أمر لا يخص لبنان
عرفت الكثير من وسائل الاعلام اللبنانية سابقا ضخا للأموال من جانب القادة العرب أمثال صدام حسين ومعمر القذافي، أو الزعماء الخليجيين وغيرهم، لكن اليوم تبدّل كل المشهد الاعلامي مع ظهور محطات خليجية وعربية قوية، فضلا عن تراجع تأثير الإعلام التقليدي نسبياً.
إسرائيل تستعيد رفات جندي مفقود منذ اجتياحها لبنان في 1982
أي مستقبل للمستقبل؟
عندما أعطيت الرخص للإعلام بعد الحرب الأهلية اللبنانية، كان واضحاً وإن لم يكن بشكل رسمي، أن تلك الرخص قد منحت على أساس طائفي إلى حدد كبير، وارتبط ذلك بالزعامات السياسية الأساسية التي كانت تحكم لبنان في التسعينيات، وبالتالي كان تلفزيون المستقبل يعكس الى حد ما نبض الشارع السني في البلاد.
ولكن “القوى السنية تمر اليوم بأزمة مرتبطة باغتيال رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ وبعدم قدرة نجله، سعد الحريري، على تأمين دعم شعبي وسياسي شبيه بما تمتع به والده، وكذلك بأزمته مع السعودية والصعود القوي للقوى المرتبطة بحزب الله. كل ذلك خلق حالة إحباط سياسي لدى الطائفة السنية” حسب وصف مهنا.
وأضاف: “بغياب منصة إعلامية تعبر عن خطاب اعتدال لدى السنة – إذا ما أُقفلت “المسقبل”- قد يُفتح المجال عبر وسائل التواصل الاجتماعي لخطاب متطرف ليس له ترجمة في الإعلام التقليدي”.
حتى اللحظة لا يُعرف الاتجاه الذي ستسلكه أزمة التلفزيون. تتقاطع مصادر على أن الاحتمالين المطروحان الآن هما إما الإقفال النهائي أو التقليص الدراماتيكي لحجم التلفزيون وعدد موظفيه، لكن لم يحسم شيء حتى الآن، ولا يزال الموظفون ينتظرون أي موقف أو قرار من الحريري نفسه.
ففي عام ٢٠١٦، وفي خضم الأزمة المالية التي كان يمر بها التلفزيون، قام الحريري بزيار يتيمة إلى القناة وأعرب عن تقديره لتضحية موظفيها، واعداً بالخير. صفَق له الموظفون يومها وتهافتوا على التقاط صور “سلفي” معه.
أجواء مختلفة
اختلف الجو اليوم، لا أحد يتحدث عنه بالسوء علناً، لكن كثيرين يتساءلون عما يعتمد عليه أو يخطط له، مشككين أصلاً بوجود رغبة لديه في حل الأزمة أو امتلاكه تصوراً لذلك، خصوصا وأن أي اقفال للتلفزيون سيكون مكلفاً للغاية من الناحية المالية بسبب المستحقات وتعويضات الصرف لنحو ثلاثمائة وخمسن موظفاً.
“بالنسبة لنا كموظفين٫ قد يكون الحل الأنسب هو في إقفال المؤسسة ودفع مستحقاتنا. أما إذا كانوا سيعاودون العمل فيها ويستمرون في التأخير في دفع الأجور والتغاضي عن أموالنا المستحقة، فسيكون ذلك كارثيا” بحسب أحد الموظفين.
ودفع استمرار الأزمة لسنوات طويلة عدداً كبيراً من الموظفين إلى البحث عن وظائف بديلة. لكن ذلك لا يقلل من حجم خسارتهم ومن كون أزمة المستقبل هي في أحد أوجهها تعبير عن الأزمة الاقتصادية الأكبر في البلاد، والتي تبين أرقام إدارة الإحصاء المركزي لعام ٢٠١٨ أن نسبة البطالة وصلت إلى ٣٦ في المئة.
أما مصير أزمة المستقبل، فقد يكون مرتبطاً إلى حد بعيد بمصير المستقبل السياسي للحريري نفسه وبالاتجاه الذي سيسلكه.
[ad_2]
Source link