أخبار عربية

“حكم الميكروباصات” بين الطرائف والأدعية وخيبة الأمل


تتعدد الصور التي يعبر بها الأفراد عن واقعهم وهمومهم واعتراضاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ما بين اعتصام وإضراب وتظاهر، وأحيانا نوادر وشعارات مدونة على زجاج السيارات.

Image caption

سائق سيارة أجرة فى العراق يتمنى أن يقود ” هامر ” يوما ما

يصف أستاذ علم الاجتماع، سيد عويس، تلك الشعارات بـ”هتاف الصامتين”، وهو عنوان كتاب صدر عام 1971 حلل فيه عويس ألف عبارة مكتوبة على أوراق يلقيها المصريون في الأضرحة أو على سياراتهم والتي نسميها اليوم “حكم الميكروباصات”.

تُرى بعد كل هذه الأعوام، ماذا حدث “لأحفاد الصامتين” في مختلف أرجاء العالم العربي؟ هل تغيرت هتافاتهم ومخاوفهم؟ أم ما زالت كما هي؟ وماذا يقول الصامتون الجدد؟

المتأمل للشعارات يرى أن مضامينها بقيت على حالها، عبر العصور، ذات بعد اجتماعي واقتصادي وسياسي.

وحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2017، يبلغ عدد من يعيشون في فقر مدقع في 11 بلدا عربيا 38.2 مليون نسمة، ما يمثل 13.4 في المائة من السكان.

هذه البلدان هي: مصر وتونس والمغرب والجزائر والأردن والسودان وموريتانيا وفلسطين وجزر القمر والعراق واليمن.

وإلى جانب الفقر، يتراجع ترتيب الدول العربية على مؤشر مدركات الفساد، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2018، لتحل الإمارات في المرتبة 71 عالميا والأولى عربيا.

هذه الأرقام، تفسر شكوى البعض من الحاجة إلى المال لتسهيل كل المصالح العالقة.

Image caption

شوارع مصر تعج بالسيارات التي تشكو من الحاجة للمال للتغلب على كل الصعاب

وتنتشر الشكوى من الغدر وخيانة الأصحاب في مختلف الدول العربية.

Image caption

تدوين تجارب ” الغدر” يمتد إلى السيارات في شوارع لبنان

Image caption

يتسابق سائقو النقل الجماعي في مصر لإظهار قوتهم أمام أقرانهم

Image caption

ليس وحدهم الأصدقاء، فالسائقون في مصر يشكون “غدر الحبيبة ”

و يقول د. زهير حطب، الأستاذ السابق في معهد العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية، إن الكتابة بهذه الطريقة عن الخيانة وعدم الوفاء يهدف إلى مساعدة الأشخاص في التنفيس عن الغضب الذي يشعرون به جراء ما تعرضوا له.

ويضيف: “يريد الشخص أن يعطي عبرة لمن حوله لتعويض الإحساس بالخسارة والخيبة التي يعاني منها”.

Image caption

“غدر الأصحاب ” يظهر أيضا على السيارات في شوارع لبنان

وينتقد الصامتون أيضا سلوكيات زملائهم و زبائنهم.

Image caption

سائقو سيارات النقل الجماعي في العراق يرشدون الركاب للمحافظة على أبواب سياراتهم

Image caption

الزحام الشديد يدفع الملايين في مصر للاعتماد على سيارات النقل الجماعي “الميكروباص” بشكل أساسي

في ترتيب الدول الأكثر ازدحاما حول العالم، ذكر تقرير مؤسسة ” تومتوم” المعنية بتقييم مستوى الزحام لعام 2018، أن القاهرة تأتي في المركز الأول عربيا، ورقم 17 عالميا، من بين 403 مدينة حول العالم شملها البحث، تليها الكويت التي حلت في المرتبة 194 عالميا، ودبي بترتيب 202، ثم الرياض بترتيب 211 عالميا، وبعدها جدة 272 عالميا، ثم أبوظبي 396.

تمتد فترات الانتظار في الطرق والجسور لساعات بسبب الزحام الخانق الذى تعانيه معظم الدول العربية، الأمر الذى يفسح للنصيحة مجالا حتى ولو كان على لوحات السيارة العالقة أمامك.

Image caption

” خذوا الحكمة من على زجاج السيارات ” شعار ترفعه المركبات في مصر

Image caption

” اتركونا في حالنا” نصيحة أحد سائقي السيارات في مصر

تراجعت العبارات التي تشير إلى الهوية الدينية للأفراد عما كانت عليه في السبعينيات، والتي كانت تستخدم لمنح “البركة” كما تقول د. سهير لطفي، الرئيسة السابقة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. وحلت محلها عبارات أخرى عن اهتمامات الشباب، كأغنية لمطربهم المفضل، أو إطلاق ألقاب على بعضهم البعض.

Image caption

العبارات الدينية تراجعت في مقابل الألقاب التى يطلقها السائقون على بعضهم البعض

رغم قلة العبارات الدينية مقارنة بما كانت عليه في السابق، إلا أنها ما زالت الأكثر انتشارا في العالم العربي، بهدف الوقاية والنجاة وتحقيق السلامة، وكأحد أساليب مواجهة المجهول والحسد.

Image caption

“الخوف من الحسد” طال أيضا عربات نقل البطيخ في لبنان

Image caption

عبارات الخوف من الحسد تنتشر على السيارات في مصر

Image caption

سائقو السيارت في مصر يتضرعون طلبا للحماية

Image caption

” ذكر الله ” أيضا يظهر في شعارات العربات بمختلف الدول العربية

Image caption

حتى المركبات الصغيرة “توكتوك” تخشى الحسد

Image caption

الخوف من الحسد يدفع سائقو السيارات في مصر للتأكيد على أنه ليسوا أغنياء والبعض أيضا يكتب أن السيارة للبيع حتى لو لم تكن كذلك

Image caption

“ربنا موجود” شعار ترفعه السيارات وقد يعبر عن إحساس بالظلم أو مجرد إقرار بأن قوة الله أكبر من أى شخص

Image caption

في لبنان، الشعارات الدينية تنتشر على السيارات

Image caption

التمنيات بالحماية والرزق تغطي السيارات في مصر

Image caption

“الحق بي الموت بيد الله” شعار على أحد السيارات في بغداد

أيضا اتخذت هذه العبارات ذات الطابع الديني شكلا مختلفا، فلم يعد الخوف من الحسد هو الغرض من استخدامها، بل أصبح الترغيب والترهيب أحيانا هدفها .

سائق فى بغداد يرى أن العيب ليس في تواضع إمكانيات سيارته و إنما سيارته تحاول ألا تثير غيرة الأخرين حتى لو كان الآخر ” عباس بن فرناس ” على حد تعبيره.

Image caption

سيارة في العراق تتحدى “عباس ابن فرناس ”

Image caption

إحذروا هذه السيارة في العراق أكبر بكثير مما تظنون

Image caption

وفي العراق، يقنع صاحب هذه السيارة بحاله، و يعدد مزايا سيارته كحاجتها إلى كمية قليلة من البنزين (بستكان) مقارنة بالسيارات الفارهة

مصدر الصورة
Saida badri

Image caption

وعلى الجانب الآخر، هناك من لايهتم بنوع السيارة مهما كانت فارهة فهذا لن يحدث فرقا في عمله كسائق هذه الرافعة من البحرين

Image caption

البقاء داخل السيارات قسرا لساعات طويلة يخلق علاقه خاصة بين السائق والسيارة، يعبر عنها الكثيرون بعبارات “تدليل ” واضحة، مثل هذه الصورة من بيروت

Image caption

السائقون في مصر يطلقون على السيارات بعض أسماء أفراد عائلاتهم ” للتدليل”

Image caption

ارتفاع أسعار السيارت في العالم العربي والاعتماد عليها كمصدر رزق يجعل منها فردا من العائلة في بعض الأحيان

Image caption

أسماء الأولاد و الألقاب تدون علي السيارات

Image caption

السيارات في مصر تصبح أحيانا فردا من العائلة

Image caption

أحيانا يتم المزج بين أسماء أفراد الأسرة والشعارات الدينية، في تناغم أشبه بالجمل التى تكتب على عبوات حلوى “السبوع”

Image caption

ويفسر الدكتور حطب كون النساء دائما مادة لهذه العبارات “بأنه مرتبط بأفكار المجتمع الذكوري الذى يريد فيه الرجل التأكيد على تفوقه”، مثل هذه السيارة في العراق التي ينتقد صاحبها الإفراط في استعمال مساحيق التجميل

Image caption

وللوعة الحب أيضا نصيب من هذه الشعارات، “فعذاب سيارة قد يكون أخف من حب امرأة ” كما يقول سائق من العراق .

Image caption

“الموقف من الزواج” أيضا يمكن أن يكون شعارا يحب البعض مشاركته مع سائقي ومرتادى السيارات الأخرى، مثل هذه السيارة التي رصدت في العراق

وتنتشر فكرة الكتابة على السيارات في كل أنحاء العالم العربي، لكن أن تستخدم السلطات عبارات شبيهة للرد على المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي فهذا يحدث في لبنان فقط..

وبدأت قوى الأمن الداخلي في نشر صور للمركبات المخالفة، معلقة عليها بعبارات ساخرة كعبارات السائقين وأصحاب السيارات.

ويقول الدكتور حطب إن مضمون هذه العبارات تغير، “فتحولت من ملاجئ اجتماعية لملاجئ سياسية”، وبعد أن كان الهدف منها لفت النظر للسيارة، أصبحت مكانا للتعبير عن المواقف السياسية وأحيانا للدعاية لبعض المنتجات.

وبرغم هذا التطور والتحول والتنوع الذى تشهده الشعارات المكتوبة على السيارات فى كل أنحاء العالم العربي، ترى الدكتورة سهير لطفي، أن الظاهرة في طريقها إلى الخفوت، فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة يلجأ إليها الأفراد للتعبير عن أنفسهم ومشاعرهم .



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى