أخبار عربية

تركيا: شهادات أربع سوريين يتهددهم خطر الترحيل إلى سوريا


لطالما اعتبرت تركيا أفضل بلدان منطقة الشرق الأوسط بالنسبة لطالبي اللجوء، حيث تأوي أكثر من 3.6 مليون سوري يقيمون في ظروف جيدة نسبيا مقارنة مع ظروف الإقامة في الأردن أو لبنان. ففي تركيا على وجه الخصوص توفر السلطات خدمات تشمل التعليم والصحة بالمجان.

لكن يبدو أن صدر تركيا لم يعد يتسع لاستقبال المزيد من السوريين. ففي الآونة الأخيرة أصدرت السلطات قرارا يقضي بإعادة تنظيم تواجد اللاجئين السوريين عبر البلاد وإعادة “المخالفين للقانون” الى الأراضي السورية.

ويشمل القرار فئتين: فئة تحمل إذن إقامة “حماية مؤقتة” – أو ما يعرف محليا بـ “الكيمليك” – من مدينة غير اسطنبول لكنها تقطن بهذه المحافظة. وفئة ثانية لا تتوفر أصلا على بطاقة “الحماية المؤقتة”.

وينص القرار على ضرورة أن يترك المنتمون للفئة الأولى اسطنبول في أجل أقصاه 20 أغسطس/ آب 2019 ويعودوا الى المدن التركية التي حصلوا فيها على أذونات “الكيمليك” عند بداية لجوئهم إليها.

أما الفئة الثانية فيواجه أصحابها تعقيدات أكبر واحتمالا بالترحيل الى سوريا لأنهم لا يحملون إذنا بالإقامة أصلا. لكن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قال في أحدث تصريح له “لن نرحل اللاجئين السوريين غير المسجلين خارج تركيا.. لكن سيتم وضعهم في مخيمات للاجئين داخل الأراضي التركية.”

مصدر الصورة
AFP

Image caption

تركيا تستضيف 3,6 مليون لاجئ سوري

تحدثنا مع أربعة لاجئين، سوريين وسوريات، يواجهون مصيرا مجهولا بعد إعلان السلطات التركية عن قراراتها الخاصة بإعادة تنظيم تواجد اللاجئين فوق أراضيها، والذي سيؤثر في ظروف قرابة خمسمائة ألف منهم.

“كل ما أريد هو أن أكون في وضع قانوني كي أضمن لنفسي ولأطفالي حياة كريمة”

ضحى، سيدة مطلقة وأم لولدين. لجأت إلى تركيا منذ عام تقريبا، حيث توجد عائلتها. لكنها لم تستطع الحصول على إقامة “الحماية المؤقتة” أو ما يعرف بالـ “كيمليك” بعد أن أوقفت السلطات استقبال وتسجيل السوريين في مدينة اسطنبول، بهدف تحقيق توازن في توزيع اللاجئين جغرافيا عبر تركيا.

تقول ضحى إنها قصدت عددا من المدن المجاورة للحصول على إذن للإقامة بإحداها، لكن طلبها كان دائما يرفض حتى قبل تقديمه. فتعود أدراجها.

يئست ضحى من المحاولات المتكررة للإقامة بمدن أخرى وقررت في نهاية المطاف الاستقرار في اسطنبول بجوار عائلتها. فوجدت وظيفة في مكتب سياحي تتقاضى مقابلها راتبا تعيل به طفليها. تقول ضحى “ما إن شعرت باستقرار نسبي حتى نزل علي خبر ترحيل السوريين من تركيا كالصاعقة…أصابني هلع شديد. وخوفا من أن تضبطني شرطة الهجرة خلال تنقلي بين بيتي ومكتب الشركة التي كنت موظفة بها، اضطررت للإقامة أسبوعا كاملا ببيت صديقتي الواقع بجوار مكان عملي.

وتمضي ضحى بالقول “في نهاية ذلك الأسبوع اشتقت كثيرا لولدَي، فقررت العودة إلى شقتي بالرغم من رعب فظيع كان ينتابني مع كل خطوة على الطريق.

ازدادت معنويات ضحى انهيارا بعد أن تلقت اتصالا هاتفيا من مدير عملها ليخبرها بأنه قرر الاستغناء عن خدماتها بسبب دخول الإجراءات الأمنية الجديدة، ضد اللاجئين السوريين، حيز التنفيذ. وقال لها إن لا خيار له لأن الشرطة قد تداهم مكتبه وتعرضه للمحاسبة في حال وجدت أن الشركة توظف أشخاصا لا يحملون أذونات عمل.

لا تعلم ضحى أي مصير ينتظرها. فكل أفراد عائلتها يقيمون الآن في اسطنبول. وإذا ما تم ترحيلها إلى إدلب فستجد نفسها وحيدة في مكان غريب مهجور لا عائلة فيه ولا أصدقاء. ويزداد قلق ضحى على مصيرها ومستقبل ابنيها بسبب الغموض الذي يكتنف قرارات السلطات التركية بشأن ترحيل اللاجئين السوريين. وتقول “لم نسمع بأي استثناءات للأمهات ولا توجد إرشادات تنير لنا الطريق في المرحلة القادمة.” وتختم ضحى حديثها بالقول “كل ما أريد… هو أن تكون إقامتي هنا في وضع قانوني.. أعمل في إطار القانون كي أضمن لنفسي ولأطفالي حياة كريمة بقدر الإمكان.

“أصبحنا سلعة تباع ولا أحد يريد شراءها”

Image caption

مأمون الأحمر، لاجئ سوري مقيم في اسطنبول ينتظره مصير غامض بسبب الإجراءات الأمنية الجديدة

مأمون الأحمر، شاب سوري من حلب في ربيعه السادس والعشرين، لجأ إلى تركيا منذ يناير / كانون الثاني 2017 هربا من تداعيات الحرب والخدمة العسكرية في بلاده. لا يحمل مأمون إذن إقامة “الحماية المؤقتة” أو ما يعرف بـ “كيمليك” لأن السلطات التركية توقفت عن استقبال وتسجيل اللاجئين السوريين.

شغل مأمون نفسه ومنذ وصوله الى اسطنبول بالعمل في وظائف حرة مقابل أجور زهيدة، يعيل منها نفسه ويبعث الباقي لعائلته في حلب. غير أن فرص حصوله على “كيمليك” ظلت محدودة وفي غاية الصعوبة. أحد السوريين الذين تعرف عليهم في اسطنبول اقترح عليه اللجوء إلى السماسرة.

وسرعان ما أدرك مأمون أن للسماسرة شروطا: فهم سيؤمنون له الوثائق اللازمة إن هو دفع المبلغ المطلوب في حدود 500 دولار أولا، وقبل بالإقامة بعيدا عن مدينة اسطنبول أو البلدات المجاورة لها ثانيا، ثم الانتظار حتى مطلع عام 2020 نظرا لكثرة الطلبات.

لكن مأمون يتساءل بنبرة متشائمة ” كيف لي أن أدخر هذا المبلغ وراتبي الشهري لا يتجاوز 350 دولارا يخصم منه مبلغ 200 دولار قيمة ايجار البيت الذي أسكنه.” ويضيف: “في ظل الغلاء المعيشي والأجور المتدنية ومتطلبات مساعدة أهلي في سوريا أحتاج حتما لأربعة أشهر لتأمين هذا المبلغ”.

“في تركيا أشعر وكأني أعيش في نظام أشبه بالعبودية في العصور القديمة”

أمام هذه الشروط التعجيزية اضطر مأمون إلى التخلي عن فكرة “كيمليك” وقال: “في تركيا أشعر وكأني أعيش في نظام أشبه بالعبودية في العصور القديمة. آكل وأشرب وأنام، وأحيانا أرسل نقودا لأهلي… تلك هي حياتي”.

بعد ساعات على سريان قرار السلطات تشديد المراقبة على اللاجئين السوريين والتأكد من هوياتهم في اسطنبول بلغ إلى علم مأمون خبر بث الذعر في فرائسه. بعض أصدقائه المقيمين في حيه اعتقلوا من قبل رجال الشرطة التركية، فأوسعوهم ضربا وبلغ سوء معاملتهم حد الإهانة. وفورا انتشر بين سكان الحي نبأ زاد من خوف مأمون على مستقبله، فالشرطة التركية بدأت تترصد الشباب السوري خارج بعض البيوت وبمجرد أن يجرؤ أحدهم على الخروج حتى تتم مطالبته بتسليم أوراقه الثبوتية للتأكد من صلاحيتها.

ويقول مأمون بنبرة تنم عن خوف من مصير مماثل، “إن كنت تحمل أوراقا ثبوتية للإقامة الأصلية… نجوت… أما إذا كنت تعس الحظ ونسيتها في المنزل أو في مكان آخر، فاعتبر أن أمر إقامتك أصبح في حكم المنتهي… فالبوليس التركي ليس له وقت للانتظار حتى تحضر وثائقك وقلوبهم أصلا لا رحمة فيها..”

وحتى لا يواجه مصير أصدقائه، الذين تم ترحيلهم، قرر مأمون ترك اسطنبول والتوجه إلى مدينة أخرى لا يخضع اللاجئون السوريون فيها لتشديدات أمنية صارمة. لكن كيف له أن يصل إلى وجهته الجديدة دون أن يضبطه الأمن التركي؟ فالتنقل بين المدن بالنسبة للسوريين يحتاج إلى إذن سفر، وهو لا يتوفر على إذن. فما كان أمامه من حل سوى السفر بين مدينتين تركيتين بمساعدة مهربين من الداخل.

ويستمر بحث اللاجئ السوري مأمون عن مكان آمن غير اسطنبول من أجل العيش، عله يجد وظيفة يعيل بها عائلته في حلب… متسائلا: “ما الفرق بيني ومن يحمل إذن “كيمليك؟” ما هو الخطأ الذي ارتكبته إذا كانت الحكومة التركية قد أغلقت باب التسجيل في وجهنا؟ … لا أحد يهتم بأمرنا.. أصبحنا سلعة تباع ولا أحد يريد شراءها.”

“علي زيارة جميع مراكز الشرطة بحثا عن أخي لكن أخشى أن يعتقلوني أنا أيضا”

ترك عبدالقادر وشقيقه غيث، الأصغر منه سنا، مدينة القامشلي في شمال سوريا مطلع 2018. وعبرا كردستان حتى دخلا الأراضي التركية عبر مدينة هاكاري الحدودية.

عند هذه النقطة الحدودية حصل عبد القادر وغيث على “بطاقة دخول أولية” تسبق استخراج الإقامة المؤقتة. فتوجها الى اسطنبول واستقرا هناك بعد أن تمكنا من العمل مع شركة سياحية مقابل أجر زهيد.

وإذا كان الشابان السوريان قد نعما منذ لجوئهما الى اسطنبول بحياة هادئة نوعا ما مقارنة بآخرين من أقرانهم، فإن السلطات التركية وضعت حدا لآمالهما في عيش كريم في انتظار العودة الى ديارهما. ففي الأسبوع الماضي، يروي عبد القادر، شنت دورية للشرطة التركية غارة على أحد أحياء منطقة “زيتونبورنو” واحتجزت خمسين سوريا، كان غيث بينهم.

Image caption

غيث سلامة، لاجئ سوري توارى عن الأنظار منذ أن احتجزته الشرطة التركية

وبمجرد أن علم عبد القادر، من شهود عيان، أن شقيقه كان بين الموقوفين بدأ رحلة البحث عن مكان احتجاز غيث. فقصد عددا من مراكز الشرطة سائلا “هل تحتجزون أخي غيث؟ لكن لم أجد جوابا عن سؤالي في تلك المراكز” يضيف عبد القادر.

ويثير اختفاء غيث خوفا مضاعفا في نفس عبدالقادر الذي يتساءل عن مصير أخيه “أين هو؟ لماذا لا يكشفون لي عن مكان اعتقاله؟ هل رحلوه الى سوريا؟ وكيف لهم أن يفعلوا ذلك وهو يحمل بطاقة دخول أولية؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل سيرحلونني أنا أيضا؟

ويستطرد عبد القادر في تساؤلاته حول سلامة أخيه “من المستحيل أن يكونوا قد رحلوه إلى سوريا… لدينا أصدقاء ومعارف في إدلب، ولو كان غيث قد بلغها فمن المؤكد أنه سيتواصل معي بأي طريقة لأنه يعلم أنني سأكون قلقا جدا على حياته.”

وقبل ساعات من إجراء هذه المقابلة أوقفت دورية للشرطة التركية عبد القادر أثناء وجوده في ساحة تقسيم. “احتجزوني في مخفر الشرطة وحققوا معي… ولما أطلعتهم على بطاقة الدخول التي أحملها قبلوا بصلاحيتها وبعد فترة دامت ساعات أطلقوا سراحي”. ويعود عبد القادر ليتساءل عن مصير أخيه. “لماذا أطلقوا سراحي وأبقوا على احتجاز أخي الذي يحمل ذات البطاقة… لا أعلم إن كان بخير أم لا.”

يقول عبدالقادر في نهاية حديثه إلى بي بي سي “عومل غيث بظلم شديد، فهو لم يقترف أي جريمة ولم يرتكب أي جنحة… تمنيت لو أن السلطات التركية أصدرت قرارات واضحة بشأن السوريين ويسرت إجراءات حصولهم على أوراق تثبت حقهم في الإقامة المؤقتة دون مطاردات أمنية. فهم يعملون ويساهمون في اقتصاد هذا البلد… ما قامت به الشرطة التركية بحق أخي ليس اعتقالا بل خطفا. علي زيارة جميع مراكز الشرطة بحثا عنه لكني أخشى على نفسي من المصير نفسه.”

“يستخدموننا كأحجار لعبة شطرنج”

لم تتوقف محاولات هناء، المقيمة في دمشق، الحصول على تأشيرة من القنصلية التركية في بيروت للانضمام إلى زوجها اللاجئ في اسطنبول منذ نهاية 2015. فبعد أربع طلبات على مدى شهور، قوبلت جميعها بالرفض، انهارت كل آمالها في ولوج الأراضي التركية بطريقة شرعية.

وفي أكتوبر/ تشرين أول 2018 نفد صبرها، فحملت ابنها يمان البالغ من العمر أربع سنوات وعبر الاثنان باب الهوى الرابط بين شمال سوريا والأراضي التركية، وتوجها إلى اسطنبول حيث كان زوجها في انتظارهما.

Image caption

هناء، لاجئة سورية مقيمة في اسطنبول

وإذا كانت هناء تتوقع نهاية لمحنتها بعد لم شمل الأسرة في اسطنبول، فإن ذلك لم يحصل. فعندما تقدمت لسلطات الهجرة بطلب إذن “الحماية المؤقتة” أو “كيمليك” بناء على حق الالتحاق بزوجها اللاجئ باسطنبول، والمقيم هناك منذ أكثر من ثلاث سنوات، جاء رد سلطات الهجرة مزلزلا: “إذن الحماية المؤقتة الصادر لزوجك معلق لأسباب نجهلها.”

وتقول هناء: “بعد كل الصعاب التي كابدتها للوصول الى اسطنبول لأنضم الى زوجي، يبلغونني أن إذن إقامته المؤقتة لم يعد ساري المفعول… فقلت لهم أصدروا إذنا خاصا بي وبطفلي؟ فرفضوا… جددنا الطلب عدة مرات فرفض… أشعر بالمرارة والإحباط … أخشى على مستقبل ابني. فهو غير معترف بوجوده في هذا البلد ولا يستطيع ولوج المدارس أو رياض الأطفال التركية.”

تتحدث هناء بحسرة شديدة على وضع اللاجئين السوريين في تركيا: “إنهم يستخدموننا كأحجار لعبة شطرنج… كلما أخذنا موعدا للبصم كإجراء للحصول على إذن الإقامة المؤقتة يرتفع منسوب الأمل لدينا… ننتظر… ثم يأتي الرفض. فلا اللجوء الى أوروبا متاح أمامنا ولا العودة إلى سوريا متوفرة لدينا… أليس من حقي العيش مع عائلتي وتأسيس حياة كريمة.”

Image caption

هناء وطفلها يمان



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى