كفالة الطفل في مصر: طريق صعب للمرأة غير المتزوجة لتصبح أما
[ad_1]
لم تكن المصرية رشا فهمي تحلم بالزواج أو تكوين أسرة عندما اتخذت قرارا بكفالة الطفلة حلا، إذ أنها تعلقت بها ما أن رأتها للمرة الأولى في دار أيتام في القاهرة ولم تكن تبلغ من العمر أكثر من يوم واحد.
ومثل كثير من نساء مصر اللاتي يسمح لهن القانون بكفالة طفل من دون زواج، وجدت رشا نفسها أمام مجتمع غير متقبل للفكرة على نحو كبير.
ففي المجتمع المصري، لا يزال نموذج الأسرة البديلة أمرا غير مألوف، في ظل اعتقاد شائع بأن الدين الإسلامي يحرم التبني، إلى جانب آراء متداولة في المجتمع تحكم على التجربة بالفشل قبل بدايتها، مثل المثل الشعبي الشهير: “يا مربي في غير ولدك، يا باني في غير أرضك”.
ورغم غياب أرقام رسمية لعدد الأيتام في مصر، تشير بعض التقارير الصحفية إلى وجود 2 مليون طفل يتيم على الأقل، في حين يقول محمد العقبي، مستشار وزيرة التضامن لبي بي سي إن عدد الأيتام الذين فقدوا الوالدين والموجودين بدور الرعاية يصل إلى 10 آلاف طفل، إلى جانب حوالي 12 ألف طفل آخرين يعيشون مع عائلات.
مشوار المرأة العزباء نحو كفالة طفل
كانت رشا تبلغ من العمر 34 عاما عندما قابلت حلا للمرة الأولى واتخذت قرار كفالتها. “أنا حبيتها، حسيت إني أنا مسؤولة عنها”.
لم يلق طلب رشا لكفالة حلا رضا عدد كبير من موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية، فهناك من رفض طلبها لاعتقاده أن القانون لن يسمح لها بالكفالة.
وعندما ضاق بها الحال، لجأت لأحد معارفها والذي نظم لها مقابلة مع وكيل الوزارة الذي “اقتنع فورا بحقها في الكفالة”، وأعطاها استثناءا سمح لها بخوض التجربة رغم أنها كانت في العقد الثالث من عمرها، بينما كان القانون في ذلك الوقت لا يسمح للمرأة غير المتزوجة بذاك العمر بأن تتكفل طفلا.
واستطاعت رشا إتمام إجراءات الكفالة كاملة في غضون شهرين، لكن رحلتها لم تكن خالية من العقبات؛ ففي بداية مشوارها واجهتها مشكلة غياب وعي موظفي الشؤون الاجتماعية والوزارة بالمادة رقم 89 من اللائحة التنفيذية لقانون الطفل.
وتنص المادة على أنه: “يجوز للأرامل والمطلقات ومن لم يسبق لهن الزواج وبلغن من العمر ما لا يقل عن 30 سنة كفالة الأطفال إذا ارتأت اللجنة العليا للأسر البديلة صلاحيتهن لذلك”.
ويسمح قانون الطفل للمرأة بالكفالة داخل نظام الأسرة البديلة بشكل صريح منذ عام 2010، أما في عام 2016، فخفض سن المرأة المسموح لها بالكفالة من 45 عاما إلى 30 عاما.
أما دار الافتاء المصري فتحرم التبني، الذي تعرفه بـ “اتخاذ الشخص ولد غيره ابنا له”، ويقول إن قرار التحريم “يمنع الناس من تغيير الحقائق، ويصون حقوق الورثة من الضياع أو الانتقاص، ويحفظ من اختلاط الأجانب وخلوتهم ببعضٍ”، وذلك ووفقا لفتوى منشورة على موقع الدار.
ويستبدل التبني في الإسلام بالكفالة، والتي تشترط إعلان نسب الطفل إن عٌرف وإن لم يعرف وجب الجهر بأنه مجهول النسب، كما يحرم من حق الميراث الشرعي.
ويعني ذلك أن الطفل المكفول يجب أن يكون على دراية كاملة بأن أسرته البديلة ليست أسرته الحقيقية وبأنه غير مسموح له بأن يحمل اسم الأسرة بالكامل أو يكون وريثا شرعيا لها، كما يكون المجتمع بأكمله على علم بذلك، بينما في حالة التبني لا يوجد ما يلزم الأسرة المتبنية بأن تعلم الطفل بحقيقة نسبه.
وكانت رشا أكثر حظا من غيرها، فماجدة (اسم مستعار) شابة ثلاثينية أقبلت في شهر مارس/آذار الماضي على نفس الخطوة، بعد أن رأت أن الزواج ليس بالحل الأمثل لها، رغم أنها تحب أن تصبح أما.
وجدت ماجدة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي منشورا بخصوص طفل حديث الولادة وُجد في الشارع بعد أن هاجمه كلب، فنقل لمستشفى في القاهرة.
هرعت ماجدة إلى المستشفى حيث زارت الطفل وقررت أن تكفله، ولكن بعد نقاشات عدة مع موظفي الوزارة، نصحها فيها البعض بالعزوف عن الكفالة والاتجاه نحو الزواج والإنجاب، وواجهت ماجدة اللجنة العليا للأسر البديلة.
سألوني “في حال تزوجت، ماذا تنوين فعله بالطفل؟” فقلت لهم “إذا حدث وتزوجت، فسيكون شرطي الأساسي أن آخذ الطفل معي كي أتابع تربيته،” تقول ماجدة.
وفي النهاية، جاء رد اللجنة على ماجدة برفض طلبها لكفالة الطفل لأنه “لم تتوفر لديها المعايير المطلوبة”، وعندما تتبعت حالته، علمت أنه أرسل إلى دار أيتام.
“حرموني من فرصة أن أقدم له شيئا جيدا، وخاصة في سنوات عمره الأولى التي يحتاج فيها لحنان واهتمام”.
تحفظ الوزارة “أمر مبرر”
ويقول محمد العقبي، مستشار وزيرة التضامن، إن هناك شروطا تحدد ما إذا كانت المرأة غير المتزوجة قادرة على الكفالة، وتشمل هذه الشروط: حصولها على مؤهل علمي، ووجود مصدر ثابت للدخل عندها – وهذان الشرطان متوافران لدى كل من رشا وماجدة.
ويرى بعض نشطاء حقوق الطفل أنّ تحفُظ الدولة على إعطاء نساء غير متزوجات حق التبني “أمر مبرر”؛ فبرأي بعض من تحدث إليهم أن الحياة الأسرية “الصحية” للطفل يجب أن تشمل وجود أب وأم معا.
وتقول ياسمين الحجري، مساعدة رئيس مجلس إدارة جمعية “وطنية” المعنية بتطوير دور الأيتام، إنه يجب أخذ الوضع الحالي بالحسبان؛ فهناك عدد ليس بالقليل من نساء عزفن عن الزواج لكنهن على أتم الاستعداد لكفالة أيتام.
كما تشير إلى انتشار ظاهرة الطلاق في مصر بشكل كبير، مما جعل نمط الأم غير المتزوجة سائد في المجتمع.
ورغم ذلك، تتفهم ياسمين الحجري مخاوف وزارة التضامن، التي شكلت لجنة تضم ممثلين عن وزارات الداخلية، والعدل، والصحة، والخارجية، وجمعيات أهلية كبرى، وخبراء اجتماعيين، لدراسة الطلبات، وسط وجود حالات من الأسر البديلة التي ترجع الأطفال للوزارة، خاصة عند البلوغ، مبررين ذلك بـ “شعور طاغ بأن الطفل بعدما كبُر أصبح غريبا عن العائلة”.
“مجنونة”
تحكي ماجدة عن الصدمة التي حلت بوالديها عندما صارحتهم برغبتها في الكفالة دون الزواج، كما رفضا اقتراح اللجنة بأن يتبنيا الطفل بالنيابة عنها كأسرة مكونة من زوجين.
“عندما تحدثت مع أبي، اعتبرني مجنونة”.
كما أن رشا لم تجد التأييد المباشر من أمها، التي وافقت على دخول حلا إلى أسرتها على مضض وذلك عندما صممت رشا على قرارها وعرضت عليها أن تستأجر منزلا مع الطفلة إن لم ترغب الأم في استضافتهما، فوجود محل سكن باسم الكفيل أو فرد من أسرته من الدرجة الأولى شرط أساسي للكفالة.
“إنت بتتكلمي على مجتمع شرقي في الأول وفي الآخر… مجتمعنا مش متفتح قوي كده ولا أهلي”، تقول لي رشا.
وافقت الأم مضطرة على ضمان ابنتها عند الوزارة، وهو شرط آخر لإتمام الكفالة، كانت في البداية تسافر لمدة شهور تاركة المنزل كنوع من العقاب لرشا، ومع مرور الوقت وقعت الأم في حب حلا التي أصبحت مصدر “فرحة” في المنزل، على حد كلام رشا.
أما في المجتمع، فلاقت رشا تحذيرات من “وقوف حالها” في الزواج، كما اقتنع البعض ممن لا يعرفها جيداً بأنها أنجبت حلا خارج إطار الزواج و”اخترعت قصة التبني” لتتستر على ظروفها.
ولا تتوقف التحديات هنا، فتحكي رشا عن رحلة بحث طويلة خاضتها حتى تجد مدرسة دولية في القاهرة تقبل بتسجيل حلا.
وفي المدرسة، تشرح حلا، ذات الـ 5 سنوات الآن، لمن يسألها أن والديها غير موجودين، وأن رشا “أمها الثانية”.
“قرار كفالة حلا أفضل قرار اتخذته في حياتي، فمن دونها لكانت حياتي مليئة بالملل، وتكفي فرحة أمي بها وفخرها بابنتها”.
[ad_2]
Source link