كيف نجت النباتات من الإشعاع القاتل لتشيرنوبل؟
[ad_1]
بات اسم تشيرنوبل مقترنا بالكارثة. وقد عادت تلك الكارثة النووية، التي وقعت عام 1986، للأذهان بفضل حلقات تلفزيونية ذاع صيتها وتحمل نفس الاسم. وتسببت الكارثة في آلاف الإصابات بالسرطان وأحالت منطقة كانت يوما مأهولة بالسكان إلى مدينة أشباح، وباتت الآن نطاقا محظورا بمساحة 2600 كيلومتر مربع.
غير أن منطقة تشيرنوبل المحظورة ليست خالية من الحياة، فقد عادت إليها الذئاب والخنازير البرية والدببة لتنعم بغاباتها الكثيفة المحيطة بالمفاعل النووي القديم الواقع شمالي أوكرانيا. وبالنسبة للنباتات فقد نجت وبدأت تنتعش مجددا خلال ثلاث سنوات من الكارثة، باستثناء أضعفها وأكثرها تعرضا للإشعاع.
ولو كان البشر والثدييات والطيور تعرضوا لمثل ما تعرضت له النباتات بأكثر المناطق تلوثا بالإشعاع لقتلوا مرارا وتكررا. فما السبب في أن الحياة النباتية قادرة على مقاومة الإشعاع والكارثة النووية بهذا القدر؟
للإجابة على هذا السؤال يلزم أولا فهم كيفية تأثير الإشعاع الناجم عن المفاعلات النووية على الخلايا الحية. توصف المادة المشعة المنبعثة من تشيرنوبل بأنها “غير مستقرة”، بمعنى أنها تطلق باستمرار جزيئات وموجات عالية الطاقة تدمر المكونات الخلوية أو تنتج عنها كيماويات مشعة تعترض نشاط تلك الخلايا.
- موجات الحر: كيف يتغلب السكان في نيجيريا على ارتفاع درجة الحرارة؟
- هل تساعد القهوة بالزبدة في اختراق التركيب البيولوجي للإنسان وإطالة عمره؟
ويمكن للخلايا تعويض أغلب مكوناتها التالفة، باستثناء الحمض النووي (دي إن إيه)، الذي يتلف بتعرضه لجرعات إشعاع عالية، ما يؤدي لسرعة موت الخلية. أما الجرعات الأقل من الإشعاع فتحدث ضررا من نوع آخر يتمثل في حدوث طفرات تغير وظيفة الخلايا – كأن تتسرطن وتنقسم بشكل جنوني وتنتشر لأجزاء أخرى من الجسم.
ويؤدي هذا لموت الحيوان، لأن الخلايا والأجهزة الحيوانية شديدة التخصص ولا تتسم بالمرونة. ولإيضاح ذلك، يمكن تشبيه بيولوجيا المملكة الحيوانية بآلة معقدة تتخصص فيها كل خلية وعضو بمكان وغرض بعينه ويتعين أن تتضافر كافة أجزاء تلك الآلة فيما بينها حتى تبقى على قيد الحياة. وبالنسبة للبشر، لا يمكن البقاء على قيد الحياة دون مخ أو قلب أو رئتين!
أما النباتات فتنمو بشكل أكثر مرونة بكثير، فهي غير قادرة على الانتقال من مكان لآخر وبالتالي ليس أمامها إلا التكيف والظروف المحيطة بها. وبدلا من وجود هياكل مخصصة كما هو الحال في الحيوان، ينمو النبات بحسب الحاجة، كأن تمتد جذوره أو ترتقي أغصانه لأعلى استنادا إلى توازن الإشارات الكيميائية من بقية أجزائه ومن النباتات القريبة منه، فضلا عن توافر الضوء والحرارة والماء وظروف تغذية التربة.
وبخلاف الخلايا الحيوانية، تكاد تكون كافة الخلايا النباتية قادرة على خلق خلايا جديدة من أي نوع حسب حاجة النبات، ولذا يمكن للبستاني أن يستزرع شتلات جديدة من نباتات أقدم وأحيانا تنبثق جذور للنبات من جذوعه أو أوراقه.
يعني هذا أن النبات قادر على تعويض خلاياه وأنسجته الميتة أسرع كثيرا من الحيوان، سواء كان التلف ناجما عن التهام حيوان له أو بسبب الإشعاع.
وبينما قد يتسبب الإشعاع وتلف الحمض النووي، بسببه أو لسبب آخر، في أورام (درنات) في النبات، فإن الخلايا المتحورة فيه لا تنتشر عادة من جزء لآخر في النبات، خلافا للأورام السرطانية في الحيوان. ويعود ذلك إلى أن جدار الخلايا النباتية محكم وقوي، كما لا تكون تلك الدرنات مميتة في الغالب.
والمثير للدهشة أن بعض النباتات في المنطقة المحظورة حول تشيرنوبل ذهبت لأبعد من ذلك، إذ بدا أنها تنتهج آليات إضافية لحماية حمضها النووي بتغيير تركيبه الكيميائي لكي يصبح أكثر مقاومة للتلف أو بتشغيل آليات لإصلاحه. وكانت مستويات الإشعاع على سطح الأرض أعلى بكثير في الماضي السحيق حين تطورت النباتات الأولى، ومن ثم ربما استرجعت النباتات في نطاق تشيرنوبل قدرات التكيف التي تعود لماضيها البعيد حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة.
والآن بدأت الحياة تزدهر في نطاق تشيرنوبل، بل إن أنواع النباتات والحيوانات أصبحت أكثر مما كانت عليه قبل الكارثة.
والأهم أن العبء الذي فرضته كارثة تشيرنوبل على الأنواع الحية أقل من النفع الذي عاد عليها جراء رحيل البشر عن المنطقة. لقد بات نطاق تشيرنوبل حاليا أحد أكبر المحميات الطبيعية في أوروبا، وباتت البيئة في نطاق المفاعل المدمر تعزز الأنواع الطبيعية أكثر من ذي قبل، حتى لو أدت تلك الكارثة إلى تقصير أجل النوع الواحد من تلك الحيوانات أو النباتات.
ومن ثم تكشف كارثة تشيرنوبل مدى الضرر البيئي الذي يحدثه الإنسان على ظهر الأرض، فالحادثة النووية رغم خطورتها كانت أقل تدميرا للبيئة بكثير عما نفعله نحن البشر، فبرحيلنا عن المنطقة أفسحنا المجال لعودة الطبيعة مجددا.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link