أبرز الجرائم وأنواع العقوبات في مصر القديمة
[ad_1]
سلطت النصوص المصرية القديمة الضوء على مكانة الأخلاق ومكافحة الجريمة بعقوبات مختلفةكعنصرين أساسيين في جوهر حياة المصريين قديما، وشغلت مكارم الأخلاق حيزا كبيرا استند إلى خبرات وعادات اجتماعية متنوعة وممتدة عبر تاريخهم، في الوقت الذي نهض فيه الدين بدور بارز في تنظيم حياتهم في محيط الأسرة والمجتمع.
وتباينت تصورات المصري القديم تجاه انتهاك الحقوق، واعتبره بمثابة خرق للأعراف الأخلاقية فاستمد على الأرجح من “محكمة العالم الآخر” الدينية، التي يحاكم أمامها المتوفى عما اقترفه من أعمال في دنياه، نموذجا لمحكمة مدنية لتحقيق الانضباط في المجتمع.
وارتبطت الجريمة والعقوبة في مصر القديمة بعوامل أخلاقية وعرفية ودينية، استندت جميعها إلى مفهوم “ماعت”، الذي يشير إلى “الحقيقة والعدالة” في المجتمع، الأشبه – على سبيل التقريب – بالضمير الإنساني الحي الدافع لفعل الخير.
مفهوم “ماعت”
يقول العالم الألماني يان أسمان في دراسته “ماعت مصر الفرعونية وفكرة العدالة الاجتماعية” عن الإصدار الفرنسي الصادر لمحاضرات “كوليج دو فرانس” إنه يجب على الإنسان “الاتحاد بماعت حيث إنه من الضروري أن يكون ملتزما بالماعت، ويمتليء قلبه بالماعت، بل ويصبح نفسه ماعت لكي ينتصر على الفشل في حياته الدنيوية وعلى كل ما هو شائن. هكذا يكمن سر الدوام شبه الإعجازي للحضارة المصرية الذي استمر آلاف السنين”.
وتقول العالمة الفرنسية كلير لالويت في دراستها “الفراعنة في زمن الملوك الآلهة” إن ماعت هي “رمز الحقيقة والعدالة، وهما فضيلتان لا تنفصمان وضروريتان إلى حد كبير لحسن تدبير أمور المجتمع والعالم اللذين ألّههما المصري القديم”.
وتتحدث تعاليم الوزير بتاح-حتب، من الأسرة الخامسة حوالي 2500 قبل الميلاد، عن أهمية ماعت كما ورد بحسب ترجمة لالويت الفرنسية نقلا عن النص المصري القديم في دراستها “نصوص مقدسة ونصوص دنيوية من مصر القديمة” ضمن سلسلة نماذج الفكر العالمي لمنظمة اليونسكو:
“هامة هي ماعت (الحقيقة والعدالة) فثروتها دائمة، فمنذ زمن خالقها، لم تتعرض أبدا للعواصف. ويعاقب كل من يخرج عن نواميسها. إنها صراط يمتد أمام الجاهل. أما الخسة فلا تسمح أبدا بالرسو في أي مرفأ. قد تستطيع الدناءة أن تستحوذ على الثروات. لكن قوة ماعت (الحقيقة والعدالة) أنها تغالب الأيام، وفي وسع المرء أن يقول عنها: حقا إنها الثروة التي يمتلكها أبي”.
ويمكن تقسيم الجريمة في مصر القديمة إلى جرائم تُرتكب “بحق المجتمع”، كالقتل والزنا وسرقة ممتلكات الأفراد، وجرائم تُرتكب “بحق الدولة”، كالرشوة والخيانة العظمى وسرقة الممتلكات العامة، وأخيرا جرائم تُرتكب “بحق المؤسسات الدينية” كسرقة المقابر والمعابد.
جريمة القتل
نظر المصري القديم إلى حياته باحترام وقدسية جعلته يشدد عقوبة القتل حفاظا على عدم انتهاك حرمتها، لكنه فرق في العقوبة بين “القتل العمد” و”القتل الخطأ”.
وتقول منال محمود محمد، الباحثة في تاريخ مصر القديم، في دراسة متخصصة بعنوان ” الجريمة والعقاب في مصر القديمة” ضمن دراسات وزارة الآثار المصرية، إن عقوبة الإعدام كانت جزاء من ارتكب القتل العمد، الذي يتوفر فيها القصد الجنائي بالمفهوم المعاصر، بصرف النظر عن المكانة الاجتماعية للجاني والمجني عليه، كما لجأ المصري في حالات معينة إلى توقيع عقوبات نفسية اعتبرها أشد وطأة من الإعدام.
وتضيف : “كان الابن الذي يقتل أحد أبويه يتعرض لتعذيب قبل إعدامه حرقا على الأشواك، أما في حالة قتل أحد الآباء ابنه أو ابنته، فلم يكن الجزاء عقوبة الإعدام، بل أشار (المؤرخ اليوناني) ديودور الصقلي إلى عقوبة نفسية تمثلت في إجبار القاتل، الأب أو الأم، على احتضان جثة الابن أو الابنة وربطهما معا ثلاثة أيام (حتى تبدأ في التحلل) وسط حراسة.”
ويشير العالم الفرنسي فرانسوا دوما في دراسته “حضارة مصر الفرعونية” إلى أن عقوبة الإعدام “كانت تعني أحيانا أن يُلقى بالمذنب فريسة للتماسيح، ومن المؤكد أن الخازوق استخدم مع جرائم لصوص المقابر، كما أن الانتحار كان على ما يبدو منّة تُمنح للمحكوم عليهم بالإعدام من علية القوم”.
واعتبر المصري التهديد بالقتل جريمة بحسب نص في بردية “سالت” يقول:”اتهام بخصوص قوله لرئيس العمال (حاي) أنا سوف أهجم عليك في الصحراء وأقتلك”.
وإن كان النص لم يشر إلى عقوبة، إلا أن بعض الباحثين يميلون إلى الاعتقاد بأن القانون ربما اكتفى بتوجيه إنذار.
بيد أن العقوبة اختلفت في حالة ثبوت القتل الخطأ، ولم تكن الإعدام، وإن لم تتفق النصوص على عقوبة محددة، فإن نصا يعود إلى عصر الدولة القديمة، نقلا عن “الجريمة والعقاب في مصر القديمة”، يقول إن كل من يقتل شخصا بالخطأ :
“لم يكن يستطع أن يدخل منزله قبل أن يتطهر من الإثم الذي ارتكبه ويقدم قربانا عند مقبرة القتيل”، في إشارة ربما إلى تصالح مبرم بين أسرتي الجاني والمجني عليه، ودفع تعويض مناسب.
ولم يغفل المصري عقوبة التستر على جريمة قتل، أو عدم الإدلاء بمعلومات تفيد احتمال ارتكابها لمنع وقوعها، واعتُبر كل من امتنع عن الإبلاغ شريكا في الجريمة ويعاقب بنفس عقوبة الجاني، كما ورد في نص بردية تورينو القضائية:
“هو سمع ولم يبلغ، ومَثُل أمام القضاة للتحقق ووجدوه مذنبا، وتركوه في مكانه وقتل نفسه بنفسه”.
أما من قتل حيوانا له صفة دينية رمزية، فقد اعتدى على طبيعة مقدسة، يستحق الإعدام في حالة ثبوت تعمده ذلك، أو الغرامة في حالة القتل الخطأ.
جريمة الزنا
حرص المصري على عدم ارتكاب الزنا واعتبره جريمة دينية يتبرأ منها المتوفى في اعترافاته الإنكارية أمام مجمع الآلهة في العالم الآخر كما ورد في نص بردية “الخروج في النهار” المعروفة اصطلاحا باسم “كتاب الموتى” : “أنا لم ارتكب الزنا” و ” أنا لم أرتكب الزنا مع امرأة متزوجة”.
تصدى المصري بحزم لهذه الجريمة وجعل عقوبتها تصل إلى حد الإعدام منعا للانفلات الأخلاقي في المجتمع، ويوصي الوزير بتاح-حتب في تعاليمه ابنه بعدم الافتتان بالمرأة، نقلا عن الفرنسية كلير لالويت في دراستها “نصوص مقدسة ونصوص دنيوية من مصر القديمة” :
“إذا أردت أن تحافظ على الصداقة في بيت تدخله سيدا أو صاحبا أو أي مكان تدخل إليه، فاحذر الاقتراب من النساء، فإن المكان الذي هن فيه ليس بالحسن، من أجل هذا يذهب ألف (رجل) إلى الهلاك والموت يأتي في النهاية”.
كما ورد في تعاليم الحكيم آني، من عصر الدولة الحديثة، ما يتعلق بالزنا مع امرأة متزوجة، ووصفه بالخطيئة الكبرى التي تستحق الموت:
“إن المرأة التي غاب عنها زوجها تقول لك كل يوم إني حسناء وليس هناك من يشهدها وهي تحاول الإيقاع بك في فخها، إنها خطيئة كبرى تستحق الموت إن لم يحُتفظ بها سرا، لأن الإنسان يسهل عليه بعد ارتكاب تلك الخطيئة أن يرتكب أي ذنب”.
وتحدثت النصوص المصرية، بحسب “الجريمة والعقاب في مصر القديمة”، عن عقوبة المرأة الزانية إن كانت متزوجة، كحق شرعي في يد الزوج، له حق العقاب أو الصفح عن الزوجة وشريكها، كما له حرية رفع الأمر إلى المحكمة، عند الشك في سلوك الزوجة دون دليل، فتتولى المحكمة القضية.
كما أشارت نصوص إلى عقاب المرأة على يد أسرتها، باعتبارها جريمة شرف مست سمعتها، كما ورد في نص بردية “شستر باتي”، من عهد الملك رعمسيس الخامس، أن أسرة المرأة كانت تُستدعى في حالة ثبوت الجريمة وتواجه المرأة وكان أفرادها “يلقون بها في النهر ليفترسها تمساح”.
ويُلاحظ أن عقوبة الرجل كانت أخف مقارنة بعقوبة المرأة في نفس الجريمة، لاعتقاد المصري أن الجُرم يقع في المقام الأول على سماح المرأة بذلك، لذا كان يعاقب الرجل بضربه ألف ضربة.
سرقة الأفراد
كانت عقوبة من يسرق ممتلكات أفراد هي دفع غرامة تصل إلى الضعفين أو ثلاثة أضعاف الشيء المسروق، وهي عقوبة تغاير عقوبة سرقة ممتلكات الدولة التي وصلت إلى حد دفع السارق غرامة تصل إلى 180 ضعفا.
وكان المتهم يتعهد بإعادة المسروقات بعد اعترافه، ويخضع لعقوبة الضرب مئة ضربة باليد، وإجباره على حلف يمين لا يحنثه، وإلا يُلقى في النهر للتماسيح، وكانت العقوبة تُنفذ في مشهد عام أمام الناس.
جريمة الرشوة
تصدى المصري لجرائم العمل الإداري في الدولة، وعلى رأسها الرشوة، التي لم تسلم منها الهيئات القضائية، وكانت عقوبتها العزل من المنصب، وإنزال الشخص إلى درجة عامل زراعة.
ويشير نص إلى صرخة أحد الفقراء، وهو يدعو الإله آمون طالبا العون وشاكيا إليه مما تطلبه منه المحكمة من ذهب وفضة، أوردته دراسة “الجريمة والعقاب في مصر القديمة”:
“فلتسمع يا آمون بأذنك عبدا ضعيفا في المحكمة، هو فقير ليس غنيا طالبته المحكمة بفضة وذهب لكتبتها، وبملابس لخدمها، فلتفعل شيئا يا آمون”.
ويبدو أن الرشوة كانت تلعب دورا خطيرا في سير العملية القضائية، إذ نرى أنه بسببها وافق أحد الكتبة بالمحكمة على سرقة ملف يثبت إدانة أحد المتهمين من أرشيف السجلات وفقا للنص:
“وأعطي بانب شيئا للكاتب قن-حر-خبش-ف وأخذه (أي ملف القضية) للخارج”.
وذكر أحد المتهمين ويدعى “با-ن-نفر” في تحقيق خاص بسرقة مقابر الملوك في عهد رعمسيس التاسع، أنه قُبض عليه واحتُجز ولكنه بعد أن دفع رشوة أُطلق سراحه كما في نص أوردته دراسة “الجريمة والعقاب في مصر القديمة”:
“قبضوا عليّ واحتجزوني في مكتب عمدة طيبة، أنا أخذت 20 (قطعة) من الذهب، وهو نصيبي، وأعطيتهم إلى الكاتب خع-إم-إيدت الخاص بميناء المدينة، هو أفرج عني”.
الخيانة العظمى
اعتبر المصري القديم جريمة الخيانة العظمى للدولة والملك أبشع الجرائم، ولم يحدد لها عقوبة سوى الإعدام، بغض النظر عن الوضع الاجتماعي للمتهم، لاسيما وإن كان غالبية المتهمين فيها هم من الحاشية المقربة من الملك، واعتُبر الخوض في شؤون الملك وإفشاء أسراره خيانة تستوجب الإعدام.
وأشارت نصوص إلى ارتكاب الجريمة، لاسيما تلك التي حدثت مع الملك رعمسيس الثالث، عندما اختار وريثا لعرشه بطريقة أثارت غيرة إحدى زوجاته من الطبقة المتوسطة تدعى “تي”، ودبرت مؤامرة لاغتياله ليتولى ابنها “نيتاور” عرش البلاد.
استعانت الزوجة بموظفين من القصر ونسائهم، وعوقب المتآمرون، كما يرى باحثون، على يد رعمسيس الرابع، ابن الملك، الذي أصدر أوامر إلى هيئة المحكمة بمراعاة العدل والدقة، كما ورد في بردية تورينو “خذوا حذركم” وثبت بالدليل إدانة المتورطين بالخيانة كما ورد في النص : “حققوا معهم ووجدوهم مذنبين”.
ونظرا لبشاعة الجُرم بحق الدولة والملك، أُمر بعدم دفن المذنب في مقبرة، لحرمانه من الحياة في العالم الآخر، كما ورد في نص يعود إلى عصر الدولة الوسطى :
“لا توجد مقبرة لمن يرتكب جريمة ضد جلالته، جثمانه سيلقى في النهر”.
سرقة المقابر والمعابد
اعتبر المصريون سرقة المقابر جريمة كبرى، لاسيما إن كانت المقبرة لأحد الملوك أو كبار رجال الدولة، نظرا لأنها كانت تحتوي على مقتنيات ثمينة، وتفشت هذه الجريمة في فترات ضعف السلطة المركزية.
وتتحدث نصوص عن الوزير “حخمواست” حاكم مدينة طيبة وممثل السلطة الملكية، وكان يعمل تحت رئاسته مسؤولان عن المقابر هما “باسر الثالث”، عمدة طيبة الشرقية، و”بورعا” عمدة طيبة الغربية، وكانت عصابة من خمسة لصوص قد تسللت إلى داخل مقبرة رعمسيس السادس، واختلفوا على تقسيم الغنائم، وهدد أحدهم بإفشاء السر، بعد أن استولوا على مقتنيات المقبرة، لكن النصوص لم تشر إلى عقوبتهم.
بلغت عقوبة سرقة المقابر حد الإعدام، لاعتبارها جريمة موجهة ضد الدولة، و الثابت أيضا أن القانون خفف العقوبة إلى حد قطع اليدين أو الضرب 100 ضربة في حالة عدم ثبوت نبش جثة المتوفى.
وحارب المصريون سرقة المعابد بسن قوانين خاصة تحميها من أي اعتداء، ويتضح ذلك من قائمة عقوبات وردت في مرسوم الملك سيتي الأول، الأسرة 19، وطُبقت عقوبة الإعدام بالخازوق وجدع الأنف ودفع غرامة 100 ضعف.
كما أشار المرسوم إلى عقوبة إعدام من يسرق حيوانا تابعا للمعبد وينقله إلى طرف آخر، مع مصادرة ممتلكات السارق لصالح المعبد المسروق، أما سرقة حيوان دون نقله إلى طرف آخر، فكانت عقوبتها جدع الأنف، مع تسخير السارق وأسرته لخدمة المعبد المنتهكة حرمته.
وكانت عقوبة سرقة متاع خاص بالمعبد الضرب 100 ضربة، وغرامة 100 ضعف، من منطلق احترام كل ما يتعلق بالمعابد، سواء حيوانات أو متاع أو حتى موظفين وعاملين.
وفرق المصري بين المسروقات التي تحمل صفة القداسة واعتبرها جريمة دينية تستوجب الإعدام، وتلك المسروقات التي لا تمس مقدسات فاكتفى معها بعقوبة الضرب وتغريم السارق 100 ضعف.
وحرص القانون على سرعة ضبط المتهمين بسرقة المعابد ومحاكمتهم، ونص على معاقبة القاضي الذي يتباطأ في سير الإجراءات ومعاقبته بـ 100 ضربة وعزله من منصبه وتحويله إلى وظيفة أقل، كما يشير النص:
“بخصوص عضو المحكمة في أي مدينة، والذي يتوجه إليه شخص تابع لبيت من ماعت-رع، يشكو إليه، ولا يلتفت إليه، ولا يسمع صوته لحل مشكلته سريعا، يطبق عليه القانون بضربه مئة ضربة وعزله من منصبه ويوضع كعامل زراعة”.
استطاع المصري القديم في مختلف عصور تاريخه الطويل أن يكوّن فكرة واضحة عن بلده وحكومة عصره الذي يعيش فيه وعاداته وطرق تفكيره السائدة.
وتقول الفرنسية دومينيك فالبيل في دراسة مختصرة بعنوان “الناس والحياة في مصر القديمة” : “عبر المصري عن أفكاره من خلال كتابات ذات مستو أخلاقي رفيع اتسمت بفكر ثاقب جعلها قاب قوسين أو أدنى من الفكر الفلسفي”.
[ad_2]
Source link