قاعدة بسيطة تساعدك على التنبؤ بالمستقبل
[ad_1]
ما هي المعالم أو المباني التي ستتبقى في مسقط رأسك بعد 100 أو ربما 500 عام؟ يطرح المؤلف المثير للجدل نسيم نقولا طالب، قاعدة مجرّبة جديدة قد تساعدك في الإجابة على أسئلة من هذا القبيل. فإذا أردت أن تعرف العمر المتوقع للأشياء غير القابلة للتلف، أي التي لا تموت ولا تتلف مع الوقت، كالأجهزة والمباني والأفكار، فإن السؤال الذي يجب أن تطرحه أولا هو كم يبلغ عمرها الآن، أو منذ متى يتداولها الناس. وكلما كانت أقدم، كانت فرصها أقوى في البقاء.
وإذا أردنا أن نتنبأ مثلا بالمباني التي ستبقى لقرون من الآن في لندن، تقترح قاعدة طالب، أن نبدأ بأقدم المباني الموجودة في المدينة. ويحل في المرتبة الأولى، قصر وقلعة صاحبة الجلالة الشهير ببرج لندن، الذي شيد منذ 941 عاما، ويليه دير ميرتون جنوب لندن، الذي تجاوز 900 عام.
ويرى طالب أن الزمن هو المعيار الأهم عند تقدير العمر المتوقع، فإذا أردنا معرفة المعالم التي ستبقى مستقبلا، علينا أن ننظر إلى المباني التي صمدت بالفعل في وجه صروف الدهر وضرباته لعقود أو قرون أو آلاف السنين.
ربما يبدو برج لندن متواضعا مقارنة بناطحة سحاب شارد الشاهقة، المطلة على نهر التيمز، والتي يبلغ ارتفاعها نحو 11 ضعف ارتفاع برج لندن. صحيح أن مبنى شارد مهيب وخلاب، لكن مكانه في التاريخ لا يزال غير مضمون.
- قصة السموم التي تهدد العالم نتيجة ذوبان الثلوج في القطب الشمالي
- لماذا يصل سعر فنجان من القهوة إلى 75 دولارا؟
وأطلق طالب على هذه القاعدة اسم “تأثير ليندي”، نسبة إلى “قانون ليندي”، في إشارة إلى عنوان مقال للمؤلف الأمريكي ألبرت غولدمان في مجلة “نيو ريبابليك” عام 1964، وعرض فيه غولدمان المعيار الذي يقيم به نجوم الكوميديا الذين يجتمعون في سلسلة مطاعم “ليندي” في نيويورك قدرة نظرائهم على النجاح والاستمرار. وينص هذا المعيار على أن العمر المتوقع للممثل يتناسب عكسيا مع معدل ظهوره في الوسط الفني، بمعنى أن الممثل الكوميدي الذي يفرط في الظهور أمام الجمهور ويستنفد إمكانياته في وقت قصير، سرعان ما يبدأ نجمه في الأفول، في حين أن الممثل الذي يترك أثرا لدى الجمهور، رغم قلة ظهوره، قد يظل لعقود على الساحة لأنه يحافظ على موارده.
ومن هذا المنطلق، طور طالب رؤيته عن البقاء والصمود. وكتب طالب في كتابة “مقاومة الهشاشة: الأشياء التي تستمد قوتها من الفوضى” في عام 2012: “إن الأشياء التي ظلت صامدة لفترة طويلة لا تشيخ كالبشر، بل تتقادم عكسيا. أي أن كل عام تصمد فيه أمام التقلبات يضاعف عمرها المتوقع”.
ويرى طالب أن الكتاب الذي يتداوله الناس منذ نصف قرن، من المتوقع أن يظل متاحا في المكتبات لنصف قرن إضافي، لكن إذا استمر لعقد آخر، فمن المتوقع أن يظل مقروءا لعقد إضافي. وهذا يعني أن كل عام إضافي في عمر الكتاب يدل على القدرة على الاستمرارية. فإن الكتاب الذي يجتذب جمهورا من القرّاء لسنوات هو أعلى قيمة من الكتاب الجديد الذي بيعت منه مئات الألآف من النسخ العام الماضي.
ولنعود مرة أخرى إلى مباني لندن، فهذه المباني تتأثر بمرور الزمن، كشأن كل شيء على وجه الأرض. ربما يكون بعضها أكثر صلابة، لكنه لن يظل في حالة جيدة دون دعم البشر. ولهذا يساعدنا “تأثير ليندي” في تقييم عمرها المتوقع. إذ تستمد هذه المباني قيمتها ورمزيتها من قدرتها على الصمود في وجه الصدمات والكوارث وتغير الأذواق لسنوات أطول.
وقد صممت مدينة لندن الحديثة، كشأن معظم المدن التي يمتد تاريخها لمئات السنين، وتوسعت عمرانيا حول معالمها الأثرية، التي أصبحت جزءا من هوية المدينة.
وفي غضون أيام من احتراق كاتدرائية نوتردام، التي يبلغ عمرها 800 عام في وقت سابق هذا العام، تضافر الناس من كافة أنحاء العالم على جمع أكثر من مليار يورو لتمويل إعادة بنائها، في حين أنه من المستبعد أن يثير سقوط برج شارد مثلا نفس رد الفعل العالمي.
وقد نلاحظ قوة “تأثير ليندي” والعلاقة بين المعمار والثقافة، في جهود بعض الدول للقضاء على التراث القديم وما يحمله من أفكار. إذ هدمت المملكة العربية السعودية على مدى العقود القليلة الماضية، بحجة التوسعة والقضاء على الوثنية، الكثير من الآثار والمباني الأثرية القديمة لاستيعاب الأعداد الهائلة من الحجاج الذين يتوافدون على مكة المكرمة وأيضا لخدمة الفكر الوهابي المتشدد الذي يعتنقه حكامها.
إذ تعاملت الدولة مع تاريخها وإرثها كمصدر تهديد للفكر الوهابي، وربما رأت أن هذه الآثار التي صمدت لقرون قد تثير نزعات وولاءات أخرى أكثر تشابكا ورسوخا من الحد الذي يطيقه حكامها المطلقون.
وفي موازاة ذلك، دمرت الصين مجتمعات ومواقع أثرية بأكملها في المدن وسوتها بالأرض، بذريعة الحداثة والإصلاح الفكري في السنوات الأخيرة، وتحولت هذه السياسة إلى اضطهاد ممنهج ضد المواطنين المسلمين.
إذ يشكل “تأثير ليندي” تهديدا قويا لكل من يرغب في تقويض علاقتنا المتشابكة بالماضي. وقد يدل على أهمية اجترار حجج من الماضي كأداة للهدم.
غير أن بقاء الحجج ليس دليلا على قوتها، إذ يتعارض مبدأ الجدارة والقدرة على التكيف مع أحد أسس الجدال المنطقي. فإن لم تستطع الدفاع عن الفكرة وتقديم الحجج الكافية لتبريرها، فليس من المنطقي أن تؤمن بها، ولا يعد بقاؤها لفترة طويلة مبررا لاعتناقها. وطالما ارتكبت أعمال شنيعة بدوافع متجذرة في الجوانب المظلمة من الطبيعة الإنسانية، كالعبودية والقتل والاغتصاب والتعصب. وقد نجد أن أبشع الجرائم الإنسانية كانت مشفوعة بأكبر عدد من المبررات والحجج، ولهذا يستدعي الرد عليها وتفنيدها الإمعان في قراءة التاريخ.
ويرتكز طالب في رؤيتة للمستقبل على مبدأ آخر وهو الهشاشة. فإن الشيء يعد هشا إذا انهار وتهاوى من أول صدمة بدلا من التكيف والتأقلم معها. وتزيد فرص المبنى في البقاء إن ظل يلبي احتياجات متأصلة في المجتمع. ولهذا يجب أن يطرح المبتكر سؤالين، قبل الشروع في تنفيذ فكرته: “ما هي المشكلة التي سيحلها؟ وكيف سيسهم في مساعدة الناس على مزاولة أنشطتهم اليومية بسهولة؟” وإن لم تتمكن من الإجابة على هذين السؤالين، أو لم تتمكن من الربط بين الزائل والدائم، فربما يجدر بك الانتظار بدلا من المخاطرة بتصنيع شيء قد يكون لا طائل منه.
وثمة معادلة قد تساعدك في تقييم مدى هشاشة الأنظمة والمباني والأفكار الموجودة حاليا أو متانتها ومرونتها، مفادها أن المستقبل هو تلك الأجزاء المتبقية من الماضي التي صمدت وتطورت، مخصوما منها الأجزاء الحديثة التي من المرجح أن تنهار وتتداعى.
وقد تطالعنا بين الحين والآخر صيحات جديدة، لكنها مهما حققت من انتشار، فلن تدوم طويلا. وفي النهاية لا شيء يدوم. لكن بعض الظواهر تظهر صمودا استثنائيا وقدرة على البقاء لزمن طويل، ورسخت هذه الظواهر داخلنا وفي ثقافتنا صراعات بين الحاجة والرغبة، وبين الحب والكراهية، وبين الحرية والعبودية.
وإذا نظرت إلى العالم في اللحظة الراهنة لن تجد إلا ضجيجا صاخبا، لكن على المدى البعيد لن يتعدى كونه مشتتات. وفي هذا الصدد يقول المؤلف ويليام غيبسون: “نحن نعيش المستقبل بالفعل، لكن أهم أجزاء منه وقعت منذ زمن بعيد”.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
[ad_2]
Source link