أفريقيا: نحل العسل مورد رزق غير مستغل لماذا؟
[ad_1]
يتيح نحل العسل في العديد من الدول الأفريقية فرصة للحفاظ على الحياة البرية، كما يساعد في نمو محاصيل وتوفير الغذاء وتحقيق أرباح، والسؤال لماذا لا يقبل عدد كبير من المزارعين على تربيته؟
وتقول تريني كارتلاند، التي تعتزم توسيع نطاق مشروعها لإنتاج عسل النحل المتغذي على أشجار السنط عضويا في المناطق الجافة من شمال كينيا، إنها ترصد إقبالا من سكان تلك المناطق على العمل في مشروعها، نظرا لأن كثير من الشباب يبحثون عن أعمال بديلة عن تربية الماشية.
وتضيف إن الطلب على العسل في كينيا، والذي تناهز أسعاره مثيلاتها في أوروبا، يزداد على نحو يوفر لمربي النحل رزقا جيدا.
ولا يتوقف طموح كارتلاند على تحقيق الربح فحسب، بل تهدف إلى استغلال مشروعها لإعادة تشجير الأراضي التي أتى عليها الرعي الجائر، فالتشجير يعني توفير مساحة أكبر للنحل لالتقاط الرحيق، ومن ثم زيادة ما ينتجه من عسل وتوفير حافز مالي للحفاظ على البيئة.
وتقول كارتلاند إنالإدارة الجيدة للمناحل “تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة البيئة إلى حالتها الأصلية”.
ويشاطر آخرون كارتلاند اعتقادها بأن تربية النحل تعد نشاطا يساعد في الحفاظ على البيئة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، بيد أن كارتلاند تتميز بأنها من بين القلة التي تسعى إلى تحقيق أعلى درجات الاستفادة من تربية النحل والحفاظ على البيئة في ذات الوقت.
ويعود النحل على الإنسان بفوائد عملية، مثله مثل غيره من الحشرات التي تعمل على تلقيح النباتات وتعزز سلسلة الغذاء.
ويقول مايك آلسوب، المتخصص في نحل العسل بمجلس البحوث الزراعية بجنوب أفريقيا إن “نحو 80 في المئة من أنواع النبات المزهر الأصلي في أفريقيا يستفيد من تلقيح نحل العسل له، وأن نحو ثُلث إجمالي الغذاء المنتَج هو نتاج تلقيح نحل العسل لأغراض تجارية”.
ويحتاج النحل إلى توافر زراعات حتى يتسنى له الإسهام بدور يعود في النهاية بالنفع على المزارعين.
وأظهرت دراسة أعدتها الباحثة بييلا تيبسيغوا ومشرفون معها “منافع مؤكدة للحفاظ على الغابات”.
وخلص الباحثون، من خلال دراسة مزارع صغيرة في تنزانيا، إلى أن تراجع وجود بيئات طبيعية أمام حشرات تلقيح النباتات (الملقحات البرية) خلال الفترة بين 2008 و2013 أدى إلى “خفض عائدات المحاصيل بما يصل إلى 29 في المئة في المتوسط”.
وتلائم ظروف الكثير من الدول الأفريقية نشاط المناحل نظرا لعدم تعرضها للشتاء القارس.
ويقول كيث سميث، مسؤول بهيئة “بي باركس تراست” المعنية بالنحل، إن تلك الدول تتمتع بـ”بيئة عضوية بكر شديدة الخضرة”.
ويضيف متحمسا للفكرة : “لا أنظر إلى الأمر بمنظور رومانسي بل هذا هو الواقع بالفعل”، فالبيئة الأفريقية تتيح فرصة ازدهار قطاع إنتاج العسل الذي يدر عائدات جيدة من خلال توفير فرص تدريب مناسبة والوصول إلى الأسواق المطلوبة.
وعندما تضيف ما تدره المناحل من عائدات بيع العسل إلى قيمة خدمات التلقيح تحصل على قطاع تتوافر لديه حوافز لحماية البيئات الطبيعية للنحل.
وتشير تشارلوت ليتر في بحثها قائلة : “عندما يعي البشر قدر ما يسهم به النحل من قيمة في حياتهم، سيحترمونه وسيعملون على حمايته والحفاظ على بيئته والزراعات المطلوبة قدر استطاعتهم”.
كما يساعد النحل في تقليل الضرر الناتج عن تضارب حياة البشر مع الحيوانات البرية.
وقد ثبت نجاح ما يعرف باسم “سياج المناحل” في مناطق يعيش فيها البشر على مقربة من البيئات الطبيعية للأفيال.
وبحثت دراسة، أشرفت عليها لوسي كينغ في منظمة “أنقذوا الأفيال”، في كينيا وضع مناحل في محيط الحقول المزروعة، وتوصلت الدراسة إلى أن الأفيال تبتعد عن الحقول حين يتصدى لها النحل الغاضب وبالتالي لا تتعرض المحاصيل للتلف.
وكتبت كينغ أن “80 في المئة من الأفيال التي اقتربت من المزارع التجريبية لم تكرر المحاولة بسبب وجود سياج المناحل”. وبالتالي لم تقتصر استفادة المُزارع على ما تنتجه المناحل من عسل وتلقيح النباتات فحسب، بل وفر النحل حماية للمحاصيل مع تراجع عمليات استهداف المزارعين للحيوانات البرية التي تتلف المحاصيل.
كما توفر المناحل عائدا بديلا آمنا ومستقرا بدلا من اللجوء إلى عمليات الصيد غير القانونية للحيوانات البرية.
حل أمثل؟
ألا تعد تربية النحل حلا مثاليا صديقا للبيئة يعمل على ضمان عمليات التلقيح الضرورية للنبات والحفاظ على البيئة الطبيعية وتوفير ربح مستدام؟
لا يحبذ الكثير من العلماء حصر نحل العسل في صورة رمزه لحماية البيئة.
وتقول مانو سوندرز، الباحثة بجامعة نيو إنغلاند بأستراليا : “أعتقد أن التركيز على نحل العسل كسبيل لحماية البيئة (العالمية) يغفل دور المُلقِحات البرية الأخرى (مثل أنواع أخرى من النحل والذباب والزنابير والفراشات وغيرها) وضرورة الحفاظ على بيئات متنوعة بخلاف بيئة المناحل”.
وتعتقد سوندرز أن الفائدة البيئية لنحل العسل هي خطوة أولى، ولكن “من منظور حماية البيئة طويلة الأجل قد يكون من الخطر اتخاذ قرارات تستند إلى حاجة نوع طبيعي واحد (من الحشرات) دون انسحاب الفائدة على الأنواع الأخرى”.
ويعرب جوناس غيلدمان، الباحث بجامعة كمبردج والمشارك ببحث بعنوان “الحفاظ على نحل العسل لا يساعد الحياة البرية”، عن خشيته من أن ينافس النحل، الذي يُربى في المناحل، المُلقِحات الأخرى في بيئتها، على نحو قد يهدد بقاءها كأنواع برية.
ويستثني غيلدمان نحل العسل الأفريقي قائلا : “قد ينطبق ذلك على أي مكان بخلاف أفريقيا، لأن نحل العسل الأفريقي ونحل العسل في منطقة رأس الرجاء الصالح جنوب أفريقيا نوع أصلي، بخلاف النحل في منطقة الأمريكتين وأستراليا”.
وتقول كاثرين فورسيث، العالمة البيولوجية المعنية بالحماية الطبيعية في كيب تاون، إن هناك “تبادلا بين النحل البري ونحل المناحل، ولا توجد منافسة بين هذا النوع من النحل والملقحات الأخرى”.
ويضيف غيلدمان أنه بالنظر إلى أن “عدم توافر بيئة طبيعية مناسبة يمثل أكبر المشكلات بالنسبة للتنوع البيئي”، ففي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء “يمكن تقليل المخاطر التي تواجه الملقحات البرية إلى أدنى حد من خلال الاستفادة من النظم الإيكولوجية”.
وبخلاف النفع البيئي، قد يفتح النشاط التجاري للمناحل بأفريقيا جنوب الصحراء آفاقا لتحقيق عائدات اقتصادية ضخمة.
وبينما يندر استفادة البيئة من النشاط التجاري، بدأت تُبذل جهود على هذا الصعيد من بينها ما أبرزه مؤتمر للنشاط التجاري للبيئة، الذي عُقد العام الماضي في كيغالي برواندا، حين تحدث عن وجود حاجة ماسة إلى تحويل جهود حماية البيئة من مبادرات خيرية إلى نشاط تجاري تعاوني أخلاقي.
وتطرق المؤتمر بالحديث إلى المناحل باعتبارها نموذجا لنشاط بيئي مربح، على شريطة الاستفادة من كافة الإمكانات الاقتصادية، وإلا انعدم الحافز القوي أمام البشر لحماية الأشجار، ولجأوا إلى قطع الغابات للاستفادة من أخشابها كوقود أو لأغراض البناء وغيرها.
ويقول سميث إن الفرصة التجارية قائمة “فهناك نقص عالمي في العسل، لاسيما النوع العضوي”.
ويعد سعر العسل مرتفعا فضلا عن زيادة الطلب العالمي عليه، فالأوروبي يستهلك في المتوسط 0.7 كيلوغرام من العسل سنويا، ويعد الاتحاد الأوروبي المستورد الرئيسي للعسل في العالم، إذ يشتري نحو 200 ألف طن منه (وهو أيضا ثاني أكبر منتِج له في العالم بعد الصين).
ويتوقع سميث وآلسوب أن يسهم العسل في توفير استثمارات وابتكارات تحقق أرباحا تصل إلى نحو مئة مليون دولار سنويا لكبرى الدول الأفريقية المنتجة له.
وتنتج إثيوبيا، التي تعد أكبر الدولة الأفريقية من حيث الإنتاج، ما بين 45 و50 ألف طن سنويا، ويستخدم القدر الأكبر منه في صناعة النبيذ المحلي المعروف باسم “تيج” وتصدر أقل من ألف طن.
وفي كينيا تقدر هيئة الاستعلامات الوطنية للمزارعين استغلال نحو 20 في المئة فقط من طاقة إنتاج العسل بالبلاد ، وتقدر الطاقة الإجمالية بمئة ألف طن.
وقد استغلت شركة “هيرترز هَني”، التي تأسست عام 1978، الطلب على العسل الممتاز لتصبح من بين أنجح شركات إنتاج العسل في جنوب أفريقيا.
وتتغذى مناحل الشركة على مساحات واسعة من شجيرات الفنبوس التي تحفها مياه المحيط الأطلنطي والكثبان الرملية البيضاء بمنطقة لانغيبان على مسافة 90 دقيقة من كيب تاون، وتبيع عسل الفنبوس المتميز إضافة لعسل زهرة الكافور والبرتقال.
وتدين الشركة بنجاحها لامتلاكها سلسلة إمداد كاملة فضلا عن العمل عن كثب مع المزارعين وتوفير تدريب لهم والاستثمار في المناحل.
وفي أفريقيا تدير منظمات غير حكومية أغلبية المناحل، التي تقام في مناطق ريفية بمعدات أساسية وتعمل بشكل مستقل، لكنها لا توفر فرص التدريب الكافي فضلا عن صعوبة الوصول إلى الأسواق، لذا لا يمضي عامان إلا ويبيع المزارعون المعدات للحصول على النقد أو يستخدمونها كحطب.
وكانت كيري غلين قد أنشأت شركة عسل نهر إيواسو عام 1995 كمشروع تعاوني أكثر منه تجاري يهدف إلى شراء العسل من المزارعين في شمالي كينيا.
وتقول غلين إن مُربي النحل إما غير قادرين على توسيع نشاطهم أو غير راغبين في ذلك نظرا لارتفاع تكلفة نقل العسل إلى الأسواق، واضطراب الإنتاج مثلما حدث قبل عامين عندما ضربت موجة جفاف كينيا.
وقد بدأت تقنيات جديدة تلوح في الأفق لتطوير هذه الصناعة التي تعتمد على طرق تقليدية.
ويتحدث تيرنس تشمباتي، وهو من زيمبابوي ويعيش في أوغندا، عن عدم توافر البيانات المتعلقة بصناعة العسل، وقد دفعه ذلك للعمل على تأسيس شركة “هاتشي هايف” لجمع المعلومات والأخذ بتوجه تقني للنهوض بالمناحل يشمل تتبع النحل لرصد المسافات التي يقطعها والزراعات المفيدة وبالتالي تشجيع المزارعين على غرس الأشجار المطلوبة قرب المناحل.
وتتابع الشركة عبر مناحلها الذكية عن بعد موقع الأعشاش ودرجة الرطوبة والحرارة والضوضاء والوزن فيما يعمل فريق على رصد المبيدات.
ونجحت “هاتشي هايف” في تجاوز الطرق التقليدية وبدأت إطلاق تجربتها في مائتي موقع.
وسوف تستفيد الكثير من المناحل من توافر بيئة معلوماتية على نحو يعزز الاستثمار ويقيس المكاسب مقابل الصعوبات التي تشمل مخاطر تهدد الملقحات البرية.
وعلى صعيد التوجه نحو جهود الحفاظ على البيئة لتصبح أكثر ربحية، قد تتصدر المناحل في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء ركب الصناعات الأخلاقية التي تعتمد، إلى جانب تحقيق ربح، على حماية ملقحات النباتات، فضلا عن حماية الغابات وتوفير دخل مستدام، إلى جانب توفر فرص عمل جيدة.
يمكن قراءة الموضوع الأصلي على صفحة BBC Future
[ad_2]
Source link