أخبار عربية

معاناة رجل ينتمي لـ”أقلية داخل أقلية” في هونغ كونغ


الرجل الذي ينتمي لـ "أقلية داخل أقلية" في هونغ كونغ

مصدر الصورة
BBC Chinese/Meiqing Guan

من شأن العمل اليومي الذي ينخرط فيه إمان فيلانويفا أن يُبقيه على أطراف أصابعه طوال الوقت، مجازيا وحرفيا. فهو يستيقظ في السابعة صباحا ليبدأ عمله بعد ذلك مباشرة. وتتمثل مهامه الأولى في مسح الأرضية وكنسها ثم إتمام عملية التنظيف باستخدام المكنسة الكهربائية. بعد ذلك، يغير أغطية أَسِرّة العائلة، ويغسل الثياب. وفي بعض الأحيان، يُعد وجبة الإفطار لأرباب العمل. وفي فترة ما بعد الظهر ينهمك في شراء احتياجاتهم من البقالة.

يعمل هذا الرجل ثماني ساعات يوميا، لخمسة أيام في الأسبوع. لكنه يدرك جيدا أنه محظوظ بقدر أكبر من أقران له يقاسون من ساعات عمل منهكة بشدة في المدينة نفسها.

يعمل فيلانويفا عاملا منزليا، وكونه ذكرا يجعل تخصصه غير معتاد في هونغ كونغ تحديدا. يقول الرجل – وهو فلبيني يبلغ من العمر 46 عاما ويعمل في هذه المدينة منذ قرابة ثلاثة عقود – إنه “جزء من أقلية داخل أقلية”.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

يبلغ متوسط درجة الحرارة في هونغ كونغ خلال الصيف 31 درجة مئوية، وهناك جدل هناك بشأن ما إذا كان يحق للعاملين في المنازل التمتع بمكيفات الهواء من عدمه

قليل من الذكور

ويفيد تقرير، أعدته منظمة العمل الدولية في عام 2015، بأن هناك 11.5 مليون مهاجر ينخرطون في مجال العمالة المنزلية في مختلف أنحاء العالم. ويتركز 66 في المئة من هؤلاء في دول بمنطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، وكذلك في شمال أوروبا وجنوبها وغربها.

وتهيمن المرأة على هذا المجال بشكل كبير؛ إذ تشكل النسوة أكثر من 70 في المئة من العاملين فيه. وفي هونغ كونغ، تبدو هذه الهيمنة أكثر وضوحا بكثير، إلى حد يجعل كل أفراد العمالة المنزلية هناك من الإناث تقريبا، إذ تقل نسبة الذكور في صفوف هذا الجيش من العمال عن اثنين بالمئة، بواقع نحو 370 ألف عامل أجنبي، الكثير منهم من الفلبين وإندونيسيا.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

يمنح القانون الساري في هونغ كونغ أفراد العمالة المنزلية الموجودين هناك يوم راحة واحدا أسبوعيا

إهانة للمرأة؟

ويرى فيلانويفا أن المسؤولية عن هذه الفجوة تقع على عاتق قوالب نمطية عفا عليها الزمن، والتي تربط العمالة المنزلية بجنس بعينه. ويعتبر أن ذلك يبرز كذلك السبب في عدم الاستعانة سوى بعدد محدود من الرجال، للانخراط في هذه المهنة في هونغ كونغ.

ويقول في هذا الشأن “إذا كانت النسوة قادرات على الطهي، فبوسع الرجال القيام بذلك أيضا، وإن كان باستطاعة النساء تنظيف المنازل، فهو أمر يقدر عليه الذكور بدورهم.. من الخطأ الظن بأن هذا النوع من الوظائف يقتصر على النساء وحدهن. إنه أمر يحط من قدر المرأة، أو يدفع للنظر إليها على أنها في مرتبة أدنى”.

ويضيف “العمال المنزليون قادرون على القيام بمهام متعددة، فهم يستطيعون تربية الأطفال والطهي والتنظيف وتقديم خدمات الرعاية لمن يحتاج لها”.

وبالعودة إلى الوراء قليلا، نجد أن هذا الرجل كان قد قرر عندما بلغ الثامنة عشر من العمر إنهاء مسيرته مع الدراسة والبحث عن عمل لكي يتسنى لأمه التقاعد. وكان الهدف الوحيد له في ذلك الوقت، هو كسب ما يكفي من المال لإلحاق شقيقتيه بالتعليم الجامعي، كي تسنح لهما فرصة في حياة أفضل. وقد أتمت كلتاهما الدراسة الجامعية بفضل جهوده.

ولم تكن الأعمال المنزلية غريبة على فيلانويفا؛ فقد اعتادها عندما كان طفلا نشأ في مقاطعة لاغونا الواقعة على بعد نحو 60 ميلا من مانيلا. وقد أصرت أمه – التي أصبحت العائل الوحيد للأسرة بعد وفاة الأب – على أن يساعدها كل أطفالها في العمل المنزلي.

رغم ذلك، لم يكن هذا الرجل مُعدا لتحمل عبء العمل الشاق المتمثل في انخراطه في سلك العمالة المنزلية بدوام كامل في هونغ كونغ. فقد كانت الأسرة الأولى التي عمل لديها تعيش في شقة تبلغ مساحتها ألفي قدم مربع، وتحتوي على خمس غرف نوم. وكان يتعين عليه أن يغسل يوميا ثلاث سيارات وكل الأبواب الزجاجية للشرفات الموجودة في المسكن. وبجانب ذلك، كان ينبغي عليه أيضا توفير الرعاية للأطفال الثلاثة لأرباب العمل.

ويقول عن ذلك “يختلف الأمر حقا عندما تقوم بهذه المهام كرها لا طوعا، ومن أجل كسب قوت يومك. إنها وظيفة صعبة للغاية، لا أظن أن الكثيرين سيودون العمل بها”.

مصدر الصورة
Eman Villanueva

Image caption

فيلانويفا خلال مشاركته في مسيرة لاتحاد العمال الفلبينيين المهاجرين للمطالبة بتحسين ظروف العمل

“نحن لسنا موضع ترحيب”

وبموجب القوانين السارية في هونغ كونغ، يحظى المنخرطون في سلك العمالة المنزلية من الأجانب بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها العمال من أبناء هذه المدينة. فلديهم الحق في يوم راحة أسبوعيا، ويُلزم أرباب أعمالهم بتوفير الطعام وخدمات الرعاية الطبية إليهم مجانا، وتقديم راتب شهري لهم لا يقل عن 4520 من دولارات هونغ كونغ (ما يزيد قليلا عن 568 دولارا أمريكيا).

لكن لا توجد قيود على عدد الساعات التي يُطلب من المشتغلين بالعمالة المنزلية العمل خلالها. فهم فعليا تحت الطلب باستمرار، نظرا لأنهم يعيشون مع أرباب عملهم. وبحسب استطلاع أجرته الجامعة الصينية في هونغ كونغ؛ قال ما يزيد على 70 في المئة من الأجانب العاملين في هذا المجال إنهم عَمِلوا أكثر من 13 ساعة يوميا.

بالإضافة إلى هذا، كان هناك عدد من حالات إساءة المعاملة للعمالة المنزلية على يد أرباب عمل عديمي الضمير.

لكن فيلانويفا يقول إن المشكلة الكبرى تتمثل في قوانين الهجرة التي تنطوي على تمييز. إذ يحق للعمال المهرة القادمين من وراء البحار ممن عاشوا في هونغ كونغ لسبع سنوات متوالية الحصول على الإقامة الدائمة هناك، غير أن ذلك لا يشمل العمالة المنزلية.

ويضيف “هونغ كونغ لا تبدي ترحيبها بنا. فعندما نتقدم في السن أو نصاب بالمرض، يطلبون منّا العودة إلى الوطن”.

ومنذ 26 عاما، يكافح هذا الرجل للحصول على مزيد من الحقوق له ولزملائه من المشتغلين بالعمالة المنزلية. ويقول إن هؤلاء العمال يحصلون على رواتب أقل مما يستحقون، كما يُحط من قدرهم في المجتمع، مُشيرا إلى أن الكثير من الساسة في هونغ كونغ يعتقدون أن أفراد العمالة المنزلية غير مهرة ولا يلتزمون بقواعد المهنة بل وحتى غير متعلمين كذلك.

وهكذا، يقود فيلانويفا منذ عام 1993 تجمعا للعمال المهاجرين، ينظم فعاليات تستهدف تحسين ظروف عملهم. وقد قاد في ذات مرة مسيرة تضم نحو ألفين من المشتغلين بالعمالة المنزلية الأجانب، خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بزيادة أجورهم.

ولعل من الواجب هنا ذكر أن هؤلاء العمال يسهمون في دعم اقتصادات أوطانهم بشكل لا يمكن الاستهانة به. فعلى سبيل المثال، بلغ حجم تحويلات العمالة الفلبينية في الخارج بوجه عام في عام 2017 قرابة 28 مليار دولار، وهو ما يوازي نحو تسعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

لكن من الصعوبة بمكان أن يكسب المرء قوت يومه في مجال العمالة المنزلية بعيدا للغاية عن وطنه، ولذا تتمثل الأمنية الكبرى لفيلانويفا في ألا تضطر ابنته، التي لا يتجاوز عمرها الآن عامين، أن تمضي على خطاه في المستقبل.

ويقول “آمل في يوم ما ألا نحتاج أن نترك الأسرة وراءنا للعمل في الخارج”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على صفحة BBC Capital



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى