أخبار عاجلة

بحيرة الغاز.. ساحة صراع في «المتوسط»


محرر الشؤون الدولية –

تتهيأ منطقة شرق المتوسط لتشهد مزيداً من التوتر ربما يؤدي إلى مواجهة مباشرة بعد ان دخل الصراع الكامن على النفط والغاز مرحلة متقدمة من تبادل الرسائل السياسية والعسكرية بين الأطراف المعنية، مصر واليونان وقبرص من جهة، وتركيا من جهة أخرى، اضافة إلى إسرائيل ولبنان وروسيا.
القاهرة التي تتابع التطورات الجارية حول نوايا تركيا البدء في أنشطة حفر في منطقة بحرية تقع غرب قبرص، حذّرت من انعكاس أي إجراءات أحادية على الأمن والاستقرار، خاصة مع تعقد منظومة الحسابات الاستراتيجية والسياسية للمنطقة التي تعوم فوق بحيرة من الغاز يقدر مخزونها بنحو 122 تريليون قدم مكعبة، وهو وحده كفيل بحرب شاملة إذا تعارضت المصالح.

وهذا الصراع المحتدم حاليا حول الغاز لا يمكن فصله ايضاً عن الصراعات السياسية بين هذه الدول المتشاطئة، فتركيا تريد حصة جمهورية شمال قبرص التركية من الغاز قبالة قبرص، كما انها تحذر اليونان من التوسع في التنقيب في المياه الاقليمية، وسبق ان ارسلت مقاتلات حلقت فوق منصة استكشاف يونانية، وأخيراً نشرت وكالة بلومبيرغ تقريراً عن احتمال نشر انقرة منظومة «إس – 400» المزمع شراؤها من روسيا على سواحل تركيا الجنوبية، في ظل التوتر بسبب حقول الطاقة، في رسالة واضحة وقوية بشأن حزمها في حماية مصالحها الاقتصادية. كما أعلنت أنقرة يوم 4 مايو المنصرم بدء التنقيب، بسماح من جمهورية شمال قبرص التركية، في منطقة تعتبر جزءا من المنطقة الاقتصادية الخاصة بجمهورية قبرص اليونانية العضو في الاتحاد الاوروبي، الامر الذي اثار قلق وانزعاج اليونان وبروكسل والولايات المتحدة ومصر. وفي خضم هذه المواقف الدولية الرافضة لأعمال التنقيب التركية، اجرت انقرة مناورات بحرية ضخمة تحت اسم «ذئب البحر 2019» اعتبرت أكبر مناورة للبحرية التركية استندت إلى سيناريوهات مستوحاة من فترات الحروب وكشفت عزم الرئيس رجب طيب أردوغان الاستمرار في التنقيب متجاهلا التحذيرات الدولية، والرد على تهميش أنقرة إقليميا في الترتيبات التي تسارعت منذ بداية العام من أجل تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي بين دول منطقة شرق المتوسط لتعظيم الاستفادة من الاكتشافات الهائلة من الغاز. ويبدو ان هذا سيؤدي إلى انهيار استراتيجية «صفر مشاكل» التي تعتمدها تركيا مع دول الاقليم، بعد ان فاقمت قضية دعمها لجماعة الاخوان المسلمين في الدول العربية الخلافات، لا سيما مع مصر، في ظل ما تشهده العلاقات من توترات سياسية كبيرة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي وتصنيف القاهرة لجماعة الإخوان «جماعة إرهابية».

تصعيد أو توافق
واذ تؤكد القاهرة انها قادرة على صياغة موقف موحد وقوي يتوافق مع قواعد القانون الدولي والاتفاقات ذات الصلة ضد «الاستفزازات التركية» في ملف الغاز، الا انها تسعى في المقابل إلى عدم التصعيد معها لأسباب عدة تتعلّق بالأمن الاقليمي اولاً، واخرى باعتبار أن حجم الاكتشافات الغازية في المنطقة تفتح ساحة للتعاون بين الدول حال الرضوخ لقواعد القانون الدولي.
وفي هذا السياق، ينقل موقع «اندبندنت عربي» عن فرنسيس فانون مساعد وزير الخارجية الأميركي لشوون الطاقة قوله إن واشنطن على نقطة واحدة من جميع الأطراف في هذه القضية، وتنظر إلى منطقة شرق المتوسط كإقليم واحد، وتدعم التعاون والاتفاق الذي يخلق فرصاً للجميع ليكونوا فائزين».
في المقابل، يرى الأوروبيون ان لإشكالية التنافس على غاز المتوسط جوانب قانونية وسياسية وهم يرفضون التصعيد أو الامتناع عن الحوار الذي ينذر بمزيد من التوتر بين دول المنطقة، لاسيما أن العلاقات بين تلك الدول معقدة جداً، وهناك الكثير من الخلافات أبرزها الصراع القبرصي ــ التركي، والتركي ــ المصري، كما أن الصراع السياسي الحاكم لبعض العلاقات يلعب دوراً مزدوجاً، فتارة يعقِّد التعاون، وفي بعض الأحيان يساعد على التقارب وتشكيل تحالفات تماماً مثلما ما حصل حين اجتمعت دول بشرق المتوسط (مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية) واتفقت على إنشاء «منتدى غاز شرق المتوسط»، على أن يكون مقره القاهرة، ما جعل المنطقة على أبواب مرحلة جديدة من إعادة ترتيب التحالفات والتوازنات التي استقرت منذ الحرب العالمية الثانية، تزامناً مع سعي اميركي لحماية مصالحها مع هذه الدول وفقاً لاعتبارات استراتيجية كبيرة. ولهذا السبب قدم السيناتور الديموقراطي روبرت مينينديز، والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، في أبريل، مشروع قانون جديد لمجلس الشيوخ بعنوان «قانون شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط»، في واحدة من أخطر التطورات ذات العلاقة بمنطقة حيوية تشهد ايضاً نشاطاً روسيا لافتا، لا سيما امام الساحل السوري، ما يجعلها نقطة صراع محتمل بين الدول الكبرى ايضاً.
ومن هذا الاطار ترى تركيا أن هناك تحالفاً صاعداً بين كل من قبرص اليونانية واليونان وإسرائيل ومصر، بهدف احتوائها وهذا ما يدفعها دوما لإعلان استعدادها للدفاع عن حقوقها ولو لزم الأمر استخدام القوة العسكرية، وهذا الأمر عبر عنه غوكهان بوزباش أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نجم الدين أربكان في حديث لـ«الجزيرة.نت» حيث قال إن «أنقرة تعتقد أن التحالف موجه ضدها، وهي تدرس كيفية مواجهته للحيلولة دون ضرب طموحاتها في المتوسط».

سياسة محفوفة بالمخاطر
بدورها، أشارت صحيفة فورين بوليسي إلى أن السياسة التركية المحفوفة بالمخاطر تأتي استجابةً لمحاولات من مصر، واليونان، وقبرص وإسرائيل لخلق منظومة طاقة إقليمية ستستبعد أنقرة من تسويق الغاز، فقد أجرت مصر وقبرص محادثاتٍ حول اتفاق لبيع الغاز إلى أوروبا عبر محطات الغاز الطبيعي المسال المصرية، وهو ما يضمن أن الغاز البحري في المنطقة لن يمر عبر الأنابيب التركية في طريقه إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. كما أن إسرائيل التي كانت تفكر في خط أنابيب إسرائيلي-تركي تحت الأرض، سارت على خطى قبرص وعقدت اتفاقاً لبيع غازها إلى مصر.
وهذا التصعيد في هذا الخلاف مثيرٌ للقلق، وقد يؤدي أي عمل استفزازي إلى نزاع مسلحٍ، لكن يمكن تجنب الكارثة اذا مُنحت كل الأطراف طريقاً للازدهار من رخاء الغاز الطبيعي، إذ يمكن للأطراف، بحسب «فورين بوليسي»، أن تجتمع إذا جرى التعامل مع الغاز الطبيعي والكهرباء الناتجة عنه على أنَّهما سلعتان إقليميتان يجري الاتجار بهما عبر مركز افتراضي يدار بصورة مشتركة من المنطقة المحايدة في قبرص، ويتيح للباعة والشراة فرصة حجز كميات مختلفة من الغاز سواءٌ ذاك الذي يُضخ أو الذي يُسحب من دون تحديد وجهةٍ مسبقة، ويشكل كل نقاط الضخ والسحب في منطقة السوق هذه. وهذا النوع من المراكز الشبيهة بـ «نقطة التوازن الوطنية» التي تتبعها بريطانيا، يتمتع بالمرونة ويجعل التجارة أسهل، وهو بالضبط ما يلزم لتطوير مركز إقليمي في المناطق التي تتردد فيها الدول في ربط بُناها التحتية وأسواق تصديرها. وسيفرض مركز التجارة الافتراضي الشفافية في أسواق الغاز في المنطقة، لأنَّه سيكون كيانها المحايد الخاص المستقل الخاضع للقانون السويسري، أو القانون البريطاني أو سيكون خاضعاً للمحكمة التجارية الدولية في استوكهولم. وسيساعد هذه الانفتاح في تقليص الفساد ويسهل الاتفاق حول مشاركة العائدات.
ووفق الصحيفة الاميركية سيضيف إنشاء مركز للتبادل التجاري الافتراضي في المنطقة المحايدة من قبرص زخماً لعملية توحيد الجزيرة القبرصية. كما انه بربط المنظومة بشركة الطاقة التركية وأيضاً بمثيلاتها في الإسكندرية وأثينا والقاهرة وتل أبيب وأماكن أخرى في المنطقة فإنَّ المركز الافتراضي سيزيد من سيولة سوق الطاقة في شرق المتوسط ويخلق حوافز للتعاون بين دوله، وسيساعد المركز في تطوير إنتاج الغاز الطبيعي في قطاع غزة، الذي تحاصره اسرائيل، بتوفير منفذ للتصدير لا يعتمد على إرضاء إسرائيل، وبفضل الشفافية التي يمنحها المركز التجاري الافتراضي يُرجَّح أنَّ تستثمر الحكومة الفلسطينية عائدات تصدير الغاز في تحسين حياة السكان. وبالمثل، يُمكن للتسويق الإقليمي والمركز التجاري الافتراضي، ودائما بحسب «فورين بوليسي»، أن يساعدا إسرائيل ولبنان في التغلب على نزاعهما على حدودهما البحرية وذلك بتوفير آليةٍ لمشاركة العائدات في الحقول المتنازع عليها كما يمكنه ان يجذب الاستثمار الخاص اللازم للتنقيب قبالة سواحل سوريا، والاستفادة من عائداتها في إعادة إعمار البلد بعد الحرب.

 



Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى