موضي قطعة من ذهب أم شبح يلاحق | جريدة الأنباء
[ad_1]
- فكرة خلّاقة وجديدة.. ومسلسل ضمن «الأعمال الكبيرة» هذا الموسم
محمد بسام الحسيني
يصطحبنا الكاتب د.حمد الرومي من خلال مسلسل «موضي قطعة من ذهب» إلى أجواء «فرويدية» و«سيكودراما» جديدة عبر شخصية جمال (داود حسين) الأب المضطرب نفسيا والانطوائي، الذي تسيطر عليه رغبة مَرَضية بإنجاب «بنت» فيتسبب في معاناة حياتية ونفسية كبيرة لزوجته سبيكة (نور) التي تنجب له أربعة أبناء ذكور.
تستمر حالة «جمال» الغريبة وغير المفهومة، فيبدي ضيقه مع كل طفل ذكر تنجبه زوجته، ثم يقهرها بمعاملته اللطيفة جدا لمولودة صديقه خليفة (د.فهد العبدالمحسن)، ولا يتغير الوضع عندما يكبر أبناؤه، فنراه يعامل أحفاده الذكور بجفاء ويخاطب ابنه قائلا: «ابيك تترسلي البيت كله بنات»، ولا ينشرح إلا عندما تضع سحر (لمياء طارق) زوجة ثاني أبنائه مولودتها «موضي»، وهو الاسم الذي يردده جمال منذ بداية المسلسل، ويكتنفه الغموض.. فمَنْ هي موضي؟ ولماذا هي قطعة من ذهب؟
في الحلقة السابعة يطرح عبدالرحمن (سعود بوعبيد)، الابن الأصغر لجمال فكرة عرضه على طبيب نفسي، فيُواجَه بالتنديد والتعنيف من أمه سبيكة وإخوانه، ليتساءل: إما أن أبي مريض نفسي ويحتاج للعلاج أو أنه يخفي أمرا خطيرا؟!
والمؤشرات من بداية المسلسل تدل على تداخل الأمرين معا، فنحن أمام مسار «سيكودرامي» نتابع فيه حياة جمال من بدايات شبابه وزواجه بسبيكة التي عرّفته عليها جارته وكاتمة أسراره نورة «الجدة» (أسمهان توفيق)، ثم علاقته المضطربة بزوجته في ظل اعتكافه في غرفة خاصة به لوقت طويل، حيث توجد خزنة فيها أساور ذهبية يتفقدها من وقت لآخر. وتعرفنا نورة على ظروف جمال في حديثها مع سبيكة: «جمال وحيد لا أم ولا أب ولا أهل ولا عزوة.. اخترتچ له لأنك مثله وراح تتحملينه سبحان من جمعكم من غير ميعاد».
تتلاحق التلميحات الى السر المحيط بماضي جمال وعلاقته بموضي، فنرى نورة توبخه: «موضي ماتت..» و«الريّال الصالح ما يكرر غلطته مرتين وانت تعرف شقصد!»، ولكن إذا ماتت موضي يبقى السؤال: مَنْ هي تلك السيدة التي ظهرت في عزاء نورة في الحلقة الرابعة، ثم رقصت في عرس جاسم (يعقوب عبدالله)؟ ولماذا كل ذلك الغموض الذي يلفّها كما تلفّ نفسها بردائها الأسود؟ ومن هو الصوت الذي يُحذر نورة الحفيدة (شهد الياسين) من الزواج بمحمد (حسين المهدي) عندما يقرران الزواج؟
يتميز المسلسل بسيناريو مبني بشكل مُحكم ومتكامل، حيث تجنّب الكاتب الملل والثقل النفسي الذي عادة ما يرافق قصص الشخصيات التي تعاني من أمراض نفسية عبر مزامنة عرض الحالة النفسية لجمال ومراحل حياته مع أجواء قصة مثيرة توحي بوجود ملاحقة ومراقبة مستمرة من قِبل السيدة المتخفية، كما يعرض لنا المسلسل الحياة الاجتماعية لأفراد عائلته وقصصهم، مع تخصيص حيز كافٍ لكل فرد وعلاقة أبناء جمال الأربعة بزوجاتهم: أحمد (عبدالمحسن القفاص) ومنال (ريم أرحمة)، جاسم (يعقوب عبدالله) وسحر (لمياء طارق)، عبدالرحمن (سعود بوعبيد) وزوجته هبة (نورا)، إلى جانب قصة الحب بين محمد (حسين المهدي) ونورة (شهد الياسين) بعد تجربتها المريرة في زواج فاشل، وكذلك علاقتها بأمها طليقة خليفة التي تزوجت غيره وأنجبت بنات يدخلن حياة نورة بشكل مفاجئ.
هذا التنويع بث الروح في العمل وأعطاه رونقا خاصا ليسير بإيقاع جيد يخلو من التطويل والملل ويعتمد حركة دخول وخروج مثيرة للشخصيات، مثلما حصل مع نورة «الجدة» التي توفيت في الحلقة الرابعة، مع أنها ظلت تسكن المسلسل كـ«ضمير حي» على لسان سبيكة. واستُغلت شخصية نورة لتقديم مشاهد إنسانية بغاية العمق والتأثير، ولعل أبرزها مشهدان: عند زواج حفيدة نورة التي تحمل اسمها، فشاهدنا سبيكة تقف أمام صورة الراحلة وتقول لها: «انتِ زوّجتيني يا نورة.. وأنا اليوم أزوّج نورة».
وقبل عُرس نورة الحفيدة يحمل إليها والدها خليفة (د.فهد العبدالمحسن) ثوبا تركته الجدة، ويطلب منها أن ترتديه بدلا من الفستان الأبيض ويقدمه لها في واحد من أكثر المشاهد المؤثرة.
هذا النوع من المواقف المرهفة والمفعمة بالمشاعر الوجدانية والحنين نراه مرارا في العمل ومعززا بحوارات من الأجمل بين مسلسلات هذا الموسم واكثرها واقعية وإنسانية.
ومن المحطات المهمة في المسلسل ايضا خروج سبيكة بموتها في الحلقة 16 بعد مغادرتها منزل جمال رافضة الإهانة، وحدسها يخبرها بأنها لن ترجع. كانت وفاتها من اللحظات التي يبلغ فيها المسلسل مداه الأعلى بالتأثير في نفس المشاهد، حيث تحولت محاولة الأبناء إصلاح ذات البين بين والديهما عبر إقامة عرس جديد لهما يرمز الى تجديد العلاقة بينهما، الى مأتم عندما سقطت سبيكة في مشهد قدمت فيه الممثلة نور أداء لا يُنسى، وختمته بحديث وداعي بصوت الشخصية المتوفاة بالغ التأثير والجمالية الفنية.
الإخراج
يواكب المخرج منير الزعبي المسارات الثلاثة للقصة: في علاقة «جمال- سبيكة» نجد إخراجا يتراوح بين السوداوية والرومانسية. فالسوداوية تطغى على غرفة جمال الخاصة وأعلاها تلك المروحة التي تدور طوال الوقت مجسدة جو التوتر والتقلب المزاجي، وكذلك «المِدقَّة» التي يضرب بها طوال الوقت أثناء عمله في إعداد الأچار وكأنه يُفرغ شحنات غضبه.
ونرى أيضا الرومانسية كما في مشهدي إهداء سبيكة «طوق الرأس»، أو عندما ينظر إليها جمال نادما وهي تبكي خلف الزجاج.
وبدءا من الحلقة الأولى شاهدنا إخراجاً ملفتاً من لمساته تصوير مشهدين من خلف الزجاج الشفاف، في أحدهما تطل نورة الجدة بجدية وصرامة ملامحها، ثم لقطة جمال وهو ينظر بحسرة الى الأساور في محل الذهب.
وفي مسار السيدة الغامضة، نرى «منير» يلعب لعبة الأخيلة والظلال، ويعطي طابعا من «الشبحية» مطلوبا لمواكبة القصة في أعمال كهذه، وقد نجح في ذلك.
أما على صعيد القصص الاجتماعية، فالمخرج يعتني أيضا بتفاصيل الصورة، وفي كل حلقة نجد اللمسات واللمحات الإخراجية التي تحمل بصمته، لكن الأجمل يبقى في عنايته بالرمزية التي يُبدع في توظيفها، ونعطي على ذلك مثالين واضحين: العرس الذي تحوّل إلى مأتم في الحلقة الـ 16، وقبله في الحلقة السابعة استخدام ألعاب الأطفال، وتحديدا الدراجات النارية لاختصار نحو 20 سنة في مشهد واحد معبر عن الانتقال الزمني، وبتصوير لمشهد تعبيري متقن.
الكثير من التفاصيل الإخراجية في «موضي قطعة من ذهب» تستحق الحديث عنها، لاسيما الحفاظ على المستوى العالي ووحدة الأسلوب على مدى الحلقات، لكن الأمر الوحيد الذي لم نلمسه هو الغياب شبه التام للمشاهد الخارجية التي كان من الممكن استخدامها لإثراء الصورة.
ولا بد من الإشادة بالموسيقى التصويرية للمسلسل المترافقة مع آهات وجدانية عميقة محركة للمشاعر، استخدمت الموسيقى في بعض الحلقات لفترات أطول من اللازم، ولكن مع ذلك يمكن الجزم بأنها مع مقدمة المسلسل من الأجمل هذا الموسم.
التمثيل
على مستوى التناغم الجماعي بين الممثلين من المنصف أن نعتبر أن «موضي قطعة من ذهب» العمل الأهم تمثيلياً هذا الموسم، فنحن أمام مجموعة متكاملة من الشخصيات ترقى بأدائها إلى المستوى الممتاز.
على المستوى الفردي، وبعد بداية أثارت الانقسام وظلمت الشخصية بسبب «المظهر» غير الموفق عاد الفنان داود حسين ليتعملق بعد الحلقات السبع الأولى، ويقدم أداء رهيبا فجرّ فيه مستويات جديدة من قدراته التمثيلية، مؤكدا جدارته بأنه كان أول من يحمل جائزة «شعلة الأنباء» في الموسم الماضي وأحد أبرز ممثلي هذا الموسم.
وإلى جانبه نجمة العمل الفنانة (نور) التي تستحق لقب «القديرة» بعد أدائها المتنوع لمجموعة من الشخصيات في أعمال مختلفة هذا العام، لكن يبقى دورها في شخصية سبيكة هو الأجمل.
الشخصية الثالثة التي تستحق الثناء هي لمياء طارق في دور «سحر» الحسودة، الخبيثة، اللئيمة، الغيورة، الانتهازية والوقحة.. كل هذه الصفات جسّدتها لمياء مع الاحتفاظ بصورة الشابة الحسناء الأنيقة التي تسحر زوجها جاسم (يعقوب عبدالله) وتتحكم به مع احتراف في تقديم التحولات والتلون.
د.فهد العبدالمحسن نجح في مجاراة صديقه «جمال» في المرحلتين العمريتين ويقدم في هذا العمل مشاهد بطولة حقيقية، وعبدالمحسن القفاص (أحمد) يقدم ثنائيا جميلا مع منال (ريم أرحمة).
الاعتناء بإسناد الأدوار من أهم العوامل التي جعلت «موضي قطعة من ذهب» يظهر بهذا التميز الأنيق فنيا.
بالاقتراب من نهايته، يُحسب لهذا العمل أنه يتجه إلى الختام بتشويق تصاعدي متواصل لقصة فكرتها جديدة وذكية وخلّاقة وتنفيذها جميل. إنه عمل ممتع وثري فنيا في مصاف الأعمال التي تستحق وصفها بـ«الكبيرة» هذا الموسم.
في حياة أغلب البشر ماضٍ يلاحق الفرد ويتتبعه عبر رموز تشبه الزائر الذي يأتي حاملا معه القلق والخطر، علما بأن بذور هذا القلق والخوف موجودة في الداخل، في نفس الإنسان، ويمكنها أن تنمو مثيرة الاضطراب والعُقد والوجع.. الغموض الذي تثيره موضي فينا قد لا يعني جمال وحده.. فثمة موضي تلاحق البشر جميعا!
اقرأ ايضاً:
[ad_2]
Source link