شاهد بين الحقيقة والخيال ماذا وجدت | جريدة الأنباء

تتعالى أصوات أبواق السيارات ويزيد صخب الشوارع المزدحمة في بيروت، وعلى الأرصفة وبين الممرات، يمشي عدد من الأشخاص ليصلو إلى وجهتهم. وفي السيارات ترتفع أغاني فيروز، لتلطّف أجواء الازدحام على السائقين الذين يفضل بعضهم تدخين السجائر، لجعل الانتظار محمولاً.

 
في إحدى تلك السيارات، تجلس ياسمين شحيبر مع شقيقتها ديالا بينما يتغلغل في عروقهما، شوق المغامرة للبحث عن البيوت المهجورة المبنية باستخدام التصميم العثماني، لم ينبع هذا الشغف لتصوير الأماكن المهجورة في لبنان، من حب المغامرة فحسب، بل وجدت ياسمين، فيه أسلوباً للحفاظ على التراث اللبناني في الهندسة المعمارية.

وأدت الحرب الأهلية في لبنان دوراً في دفع شحيبر من والد كويتي وأم لبنانية، إلى اختيار المنازل المهجورة، إذ قالت لموقع CNN بالعربية، إنها تحاول إبقاء ذكرى الأماكن التي تربصت الحرب بهدوئها وسكينتها، والسفر عبر الزمن لرؤية جمال بيروت الذي دائماً ما سمعت عنه خلال مرحلة الثمانينيات.

وتحاول شحيبر أن تبحث دائماً عن البيوت اللبنانية التقليدية، وتلتقط الصور بطريقة تحكي فيها حكاية المكان، لذا تقوم بمنتجة الصور ليتسلل شعور الاشتياق الحلو والمر إلى قلب المتفرج، الذي تتمنى أن يطرح على نفسه الأسئلة ذاتها، والتفكير بالأسباب التي دفعت أصحاب البيوت إلى ترك منازلهم وأغراضهم.

وقبل تصويب عدسة الكاميرا نحو المكان الذي تريد ياسمين تصويره، تقوم المصورة ببحث مكثف عن البيوت للحصول على بعض المعلومات حول أصحاب المنزل، أو سبب هجرهم للمكان.

ومن خلال البحث المستمر، استطاعت ياسمين أن تحل ألغاز بعض البيوت، وإيجاد نظريات لسبب هجر أصحاب المنازل لبيوتهم، مثلما كانت الحال مع مؤسس ورئيس “Intra Bank”، يوسف بيدس، الذي “صعد دراماتيكياً وهبط مأساوياً”، أو منزل رجل الأعمال السعودي، إبراهيم شاكر الذي لفتت المصورة الكويتية، إلى أن الميليشيات استولت عليه خلال الحرب الأهلية.

ولم تخل مغامرات ياسمين من التحديات طبعاً، إذ واجهت المصورة بعض المخاطر بسبب اهتراء البنية التحتية للأمكنة التي عادة ما تلتقط الصور لها، كما استذكرت حادثة تهالك درج أحد البيوت، الذي كانت تحاول التقاط الصور فيه.

وفي بعض الأحيان، تؤدي الطبيعة دورها في التسلّل إلى داخل المنازل المهجورة، لتصبح جزءاً من حكاياتها العتيقة، مما يشد انتباه المصورة الكويتية، ويشكل علاقة إعجاب وشغف تجاه الموقع والصورة، لما تزرعه من شعور بالسحر والرومانسية.

وبعد التقاط الصورة ونشرها على “انستغرام”، تتلقى ياسمين عدداً من ردود الفعل المختلفة، فقد يستذكر بعض الأشخاص منازلهم التي اضطروا إلى هجرها، فيما يشعر آخرون بالتعجّب لإيجاد “جمال” مثل هذا في بيروت.

وتتابع شحيبر، مسيرتها برفقة كاميرتها على سكة المغامرات للبحث عن البيوت التي مرّ عليها الدهر، بعد أن هجرها أهلها لأسباب منها ما يبقى مخفياً، ومنها ما يعتمد على نظريات تتأرجح بين الواقع والخيال. وفي وسط صخب شوارع بيروت، يعيد زر الكاميرا الحياة لقصور وبيوت أصبحت جزءاً من التاريخ.